فِي رِوَايَةٍ (فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ فَقَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ فَقَالَ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ).
وظاهر الأحاديث سواء قاله قائد الجيش قبل القتال أو بعده.
وهذا مذهب الجمهور.
قال النووي: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْث وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَابْن جَرِير وَغَيْرهمْ: يَسْتَحِقّ الْقَاتِل سَلَب الْقَتِيل فِي جَمِيع الْحُرُوب سَوَاء قَالَ أَمِير الْجَيْش قَبْل ذَلِكَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبه أَمْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ قَالُوا: وَهَذِهِ فَتْوَى مِنْ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- إِخْبَار عَنْ حُكْم الشَّرْع، فَلَا يَتَوَقَّف عَلَى قَوْل أَحَد.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك وَمَنْ تَابَعَهُمَا - رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى -: لَا يَسْتَحِقّ الْقَاتِل بِمُجَرَّدِ الْقَتْل سَلَب الْقَتِيل، بَلْ هُوَ لِجَمِيعِ الْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْغَنِيمَة، إِلَّا أَنْ يَقُول الْأَمِير قَبْل الْقِتَال: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبه.
وَحَمَلُوا الْحَدِيث عَلَى هَذَا، وَجَعَلُوا هَذَا إِطْلَاقًا مِنْ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَيْسَ بِفَتْوَى وَإِخْبَار عَامّ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ هَذَا بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الْقِتَال وَاجْتِمَاع الْغَنَائِم. وَاَللَّه أَعْلَم.
• هل السلب للقاتل أو أمره مفوض للإمام يعطيه من شاء؟
الصواب أن السلب للقاتل، كما في الأحاديث الواردة في هذا الباب.
• هل يشترط لاستحقاق القاتل السلب البيّنة أم لا؟
ذهب بعض العلماء إلى ذلك.
لقوله -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ … ).
قال النووي فيه دليل لمذهب الشافعي والليث ومن وافقهما من المالكية وغيرهم أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة بأنه قتله، ولا يقبل قوله بغير بينة.
وقال القرطبي: قال بظاهره الليث، والشافعي، وبعض أصحاب الحديث، فلا يستحق القاتل السلب إلا بالبيّنة، أو بشاهد ويمين.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يعطى بقوله بلا بيّنة.
قال النووي: وَقَالَ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُعْطَى بِقَوْلِهِ بِلَا بَيِّنَة، قَالَا: لِأَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أَعْطَاهُ السَّلَب فِي هَذَا الْحَدِيث بِقَوْلِ وَاحِد، وَلَمْ يُحَلِّفهُ.
وَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلِمَ أَنَّهُ الْقَاتِل بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُق، وَقَدْ صَرَّحَ -صلى الله عليه وسلم- بِالْبَيِّنَةِ فَلَا تُلْغَى.