ثانياً: سبب لفساد دين العبد.
قال -صلى الله عليه وسلم- (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه).
قال ابن رجب: هذا مثل عظيم ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاربين باتا في الغنم، قد غاب عنها رعاؤها ليلاً، فهما يأكلان في الغنم ويفترسان فيها.
فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حرص المرء على المال والشرف لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم.
فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا.
[ثالثا: المال فتنة.]
قال تعالى (اعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
قال تعالى (إنما أموالكم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال) رواه الترمذي.
جاء في الصحيحين: عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَوْ أنَّ لابنِ آدَمَ وَادِياً مِنْ ذَهَبٍ أحَبَّ أنْ يكُونَ لَهُ وَادِيانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إلاَّ التُّرَابُ، وَيَتْوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ) مُتَّفَقٌ عليه.
ففي هذا الحديث دليل على عظم حب الإنسان للمال، وأنه يحرص على جمعه من جميع الوجوه، وأنه فتنة، وأنه من أعظم الفتن، لأنه يحمل صاحبه على الإعراض عن طريق الله تعالى، ويحمله أيضاً على الطغيان والبغي.
والمال - أيضاً - فتنة، لأنه يشغل القلب ويلهي عن الطاعة وينسي الآخرة.
قال تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
وقال تعالى (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ. إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
وقال تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (يهرم ابن آدم ويهرم معه اثنتان: الحرص على العمر، والحرص على المال) متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (اثنتان يكرهما ابن آدم: يكره الموت والموت خير له من الفتن، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب) رواه أحمد.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِى الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ) رواه البخاري.