لحديث ابن شريح (من أصيب بقتل أو خيل، فإنه يختار بين ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه).
وجه الدلالة: (فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه) قالوا معناه: إذا أراد زيادة على القصاص أو الدية أو العفو فلا تمكنوه من فعل شيء غير واحدة من هذه الثلاث المتقدمة، والصلح على أكثر من الدية ليس منها، فظهر إذاً عدم صحته.
ويجاب عن هذا:
أن يقال: أن المراد بقوله: (فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه) وهذه الرابعة هي المذكورة في آخر آية القصاص من سورة البقرة، وهي: (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي من قتل بعد أخذ الدية أو قبولها فله عذاب من الله أليم موجع شديد وأنه هو الذي يقتل بعد أخذ الدية.
فيكون معنى الحديث (فإن أراد الرابعة): بأن يأخذ الدية مثلاً ويقتل، فخذوا على يديه، ولهذا جاء في حديث آخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (لا أعافي أحداً قتل بعد أخذ الدية).
فالراجح القول الأول.
• ما الأفضل لأولياء المقتول؟
الأفضل لأولياء المقتول العفو عن القصاص.
ومعنى العفو: التنازل عن القصاص إلى الدية أو الصلح أو إلى غير شيء.
فالعفو مشروع ومستحب.
أ-قال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
ب-وقال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).
ج- وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) وقيل في تفسيرها: من أحياها بالعفو عن القاتل.
د- وعن أنس قال: (ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفع إليه شيء في قصاص إلا أمر فيه بالعفو) رواه أحمد.
هـ- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) رواه مسلم.
لكن العفو يشترط ألا يحصل بالعفو ضرراً، كأن يكون الجاني سفاكاً للدماء، فالأصلح في مثل هذه الحال القصاص.
ولهذا قيد الله تعالى العفو بالإصلاح، فقال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: استيفاء الإنسان حقه من الدم عدل، والعفو عنه إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحساناً إلا بعد العدل، وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر، وإلا كان ظلماً إما لنفسه وإما لغيره.