قال الحافظ في الفتح: المنيحة بالنون والمهملة وزن عظيمة هي في الأصل العطية، قال أبو عبيدة: المنيحة عند العرب على وجهين: أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له، والآخر: أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها، وقال القزاز: قيل لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة والأول أعرف.
وقال المباركفوري: قوله: (من منح) أي أعطى (منيحة لبن أو ورق) بكسر الراء وسكونها أي فضة، قال الجزري في النهاية منحة الورق القرض، ومنحة اللبن أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانا ثم يردها، ومنه الحديث (المنحة مردودة).
د- وعن ابن مسعود. قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (ما من مسلم يقرض قرضاً مرتين إلا كصدقتها مرة) رواه ابن ماجه.
وأما بالنسبة للمقترض فمباح.
• ما الذي يصح قرضه؟
كل شيء يصح بيعه يصح قرضه إلا بني آدم:
فيصح قرض الحيوانات، والأواني، والكتب، والطاولات، ..
(إلا بني آدم) أي الأرقاء، قالوا: لئلا يؤدي إلى أن يستقرض أمَة فيجامعها.
• هل يتأجل القرض بالتأجيل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن القرض لا يلزم تأجيله بالتأجيل، ولا يكون إلا حالاً.
وهذا قول جمهور العلماء، من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
أ- لقوله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).
قالوا: نفي السبيل عنهم على وجه نصوصية الاستغراق، فلو لزم تحقق سبيل عليه.
ب- أن القرض من عقود التبرعات، فهو صلة في الابتداء، فلو لزم لكان سبباً في الخروج عن باب الإرفاق.
ج- القياس على العارية في عدم لزومها.
القول الثاني: صحة التأجيل ولزومه.
وهذا قول مالك، والليث بن سعد، وهو قول بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم.
أ- لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وبقية النصوص الواردة في وجوب الوفاء بالعهد والوعد
ب- ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (المسلمون على شروطهم) رواه الترمذي.
ج-ولأن المطالبة به وهو مؤجل إخلاف للوعد، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (آية المنافق ثلاث: .. وإذا وعد أخلف) متفق عليه. فالوعد يجب الوفاء به.
د- القياس على سائر الدين، حيث لا يحق لصاحب الحق تعجيلها قبل أجلها، كثمن المبيع المؤجل (باتفاق) والأجرة المؤجلة.
هـ-ما ثبت عن ابن عمر (أنه سئل عن القرض إلى أجل، فقال: لا بأس به، قال: وإن أعطى أفضل من دراهمه ما لم يشترط) أخرجه البخاري تعليقاً.
و- أن الأصل في الديون جواز التأجيل، لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) وإخراج القرض من ذلك يحتاج إلى دليل، لأنه ديْن من الديون.
وهذا القول هو الراجح، وقد نصره الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين.