• ما عواقب ترك الجهاد:
أولاً: سبب للهلاك في الدنيا والآخرة.
فأما في الدنيا فإن الجبان الرعديد الذي لا همة له في قتال الأقران ولا طاقة له في الذود عن حياضه يكون ذليلاً مستعبداً تابعاً غير متبوع.
وأما في الآخرة: فهو يهلك إن لم يتغمده الله برحمته، بترك فريضة محكمة أنزلها الله في كتابه بها عز الإسلام والمسلمين وإذلال الشرك والمشركين.
ثانياً: سبب للذل والهوان.
عن ابن عمر. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود.
وقد بوّب البخاري باباً على هذا المعنى في الصحيح فقال:
باب مَا يُحْذَرُ مِنْ عَوَاقِبِ الاِشْتِغَالِ بِآلَةِ الزَّرْعِ، أَوْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ.
ثم ذكر حديثاً: … ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلاَّ أُدْخِلَهُ الذُّلُّ.
قال العيني: المقصود الترغيب والحث على الجهاد.
وقد جاء عند الترمذي قال -صلى الله عليه وسلم- (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا).
الضيعة: التجارة والصناعة والزراعة وغير ذلك. (النهاية).
وقد وفق العلماء بين هذا الحديث [حديث أبي أمامة] والأحاديث المتقدمة [ما من مسلم يغرس غرساً فيأكل منه طير .... ] بوجهين اثنين:
أولاً: أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج أو عشر، فمن أدخل نفسه في ذلك فقد عرضها للذل.
ثانياً: أنه محمول على من شغله الحرث و الزرع عن القيام بالواجبات كالحرب ونحوه، وإلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله: باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به، فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب و يحمله على التكالب على الدنيا والإخلاد إلى الأرض والإعراض عن الجهاد، كما هو مشاهد من الكثيرين من الأغنياء، ويؤيد هذا الوجه قوله -صلى الله عليه وسلم-: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).