٩٣١ - وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُ اَلْهَدِيَّةَ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيّ.
٩٣٢ - وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ (وَهَبَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَاقَةً، فَأَثَابَهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: " رَضِيتَ"؟ قَالَ: لَا. فَزَادَهُ، فَقَالَ: "رَضِيتَ"؟ قَالَ: لَا. فَزَادَهُ. قَالَ: "رَضِيتَ"؟ قَالَ: نَعَمْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّان.
===
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: مشروعية قبول الهدية وعدم ردها إلا لعذر شرعي. لأمرين:
الأمر الأول: أن قبول الهدية هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الأمر الثاني: أن في قبولها فوائد متعددة منها: إرضاء المهدي، وجبر خاطره، وتقديراً لهديته، والنظر إليها بعين الاعتبار، ولأن في ردها: مخالفة للسنة، وفيه كسر لقلب المهدي وإساءة إليه.
وقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (لَو دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبتُ، وَلَو أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ) رواه البخاري.
وَالْكُرَاع مِنْ الدَّابَّة مَا دُون الْكَعْب.
قَالَ اِبْن بَطَّال: هذا حض منه لأمته على المهاداة، والصلة، والتأليف، والتحاب، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئًا مما يُهدى إليه أو يدعى إليه؛ لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدي، وإنما أشار بالكراع وفرسن الشاة إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية، لا إلى إعطاء الكراع والفرسن ومهاداته؛ لأن أحدًا لا يفعل ذلك.
وقال النووي: واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحب.
قال ابن حجر: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعِهِ وَجَبْرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ وَعَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَنْ يَدْعُو الرَّجُلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ … وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى الْمُوَاصَلَةِ وَالتَّحَابِّ وَالتَّآلُفِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ لِمَا قَلَّ أَوْ كثر وَقبُول الْهَدِيَّة كَذَلِك .... (الفتح)
بل كان قبول الهدية إحدى علامات نبوته لدى أهل الكتب السابقة، حتى عرفه بها سلمان الفارسي رضي الله عنه في قصة إسلامه، كما في مسند أحمد.
وقد أهدت أم الفضل للنبي -صلى الله عليه وسلم- شربة لبن فقبلها. كما في البخاري ومسلم.
وأهدى له أبو طلحة ورك أرنب فقبله. رواه البخاري ومسلم.
ولا تكاد تحصى المواقف التي قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها هدايا الناس ولو صغرت.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ! لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) متفق عليه. فرسن الشاة: حافرها.
قال ابن حجر: وقال الكرماني: يحتمل أن يكون النهي للمعطية، ويحتمل أن يكون للمُهدَى إليها، قلت (أي ابن حجر): ولا يتم حمله على المهدى إليها إلا بجعل اللام في قوله (لجارتها) بمعنى مِنْ، ولا يمتنع حمله على المعنيين.
بل جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن رد الهدية:
فقد روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ) رواه أحمد.
قال ابن حبان (روضة العقلاء) زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين، فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر، ويشكر عنها.