١٠٩٥ - وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ أَيْضًا - أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: (حِسَابُكُمَا عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا" قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! مَالِي؟ قَالَ: "إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اِسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(حِسَابُكُمَا عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى) يعني لا سبيل في الدنيا إلى معرفة الصادق، وعقاب الكاذب منكما، وإنما يحاسبكم الله في الآخرة.
(أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ) قال القاضي عياض: ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان، والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة.
(قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! مَالِي؟) أي: أطلب مالي الذي أعطيتها صداقاً.
(قَالَ: "إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اِسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا) أي: فقد استوفيت حقك منها قبل ذلك.
(وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا) أي: من مطالبتها، لئلا تجمع عليها الظلم في عرضها، ومطالبتها بمال قبضته منك قبضاً صحيحاً.
١ - الحديث دليل على أن التفريق بين المتلاعنين يكون على التأبيد، حتى لو أكذب الملاعن نفسه بعد اللعان.
وقد اختلف العلماء إذا أكذب الزوج نفسه على قولين:
القول الأول: أنها لا تحل له ولو أكذب نفسه.
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل (لا سبيل لك عليها).
قال القرطبي: قوله له (لا سبيل لك عليها) دليل لمالك ولمن قال بقوله في تأبيد التحريم، فإن ظاهره النفي العام.
وقد ذكر الدارقطني زيادة في حديث سهل بعد قوله (ففرَّق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما) وقال (لا يجتمعان أبدًا).
وقال أبو داود عن سهل (مضت سنَّة المتلاعنين: أن يفرَّق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدًا).
قال مالك: وهي السُّنَّه التي لا اختلاف فيها عندنا.
القول الثاني: تحل له لزوال المانع.
وهذا قول الحنفية.
والراجح الأول.
قال النووي: اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَأْيِيدِ التَّحْرِيم فِيمَا إِذَا كَذَبَ بَعْد ذَلِكَ نَفْسه، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: تَحِلّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّم. وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَغَيْرهمَا: لَا تَحِلّ لَهُ أَبَدًا لِعُمُومِ قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا) وَاَللَّه أَعْلَم.