قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قد تواترت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه أمر أصحابه في حجة الوداع لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة، أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، لهذا لما قال سلمة بن شبيب لأحمد: يا أبا عبد الله، قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة - أي متعة الحج - فقال: يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدافع عنك، والآن فقد تبين لي أنك أحمق. عندي أحد عشر حديثاً صحيحاً عن رسول -صلى الله عليه وسلم- أدعها لقولك؟
ب- أن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج، مع كمالها وكمال أفعالها على وجه اليسر والسهولة، مع زيادة لنسك هو الدم، فكان ذلك هو الأولى.
ج- أن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى، بقوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وذلك دون سائر الأنساك.
د- أنه أيسر للمكلف.
القول الثالث: التمتع أفضل الأنساك إلا لمن ساق الهدي فإن القران في حقه أفضل.
ودليل هذا القول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرن حين ساق الهدي، ومنع كل من ساق الهدي من الحل حتى ينحر هديه
وهذا اختيار شيخ الإسلام وهو الراجح.
فائدة: قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة.
• كم سعي على القارن؟
القارن ليس عليه إلا سعي واحد ويدل لذلك:
أ-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قارناً، ولم يسع بين الصفا والمروة إلى سعياً واحدا فقط بعد طواف القدوم.
روى مسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قال (لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَلا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الأَوَّل)
قال النووي رحمه الله: (لَمْ يَطُفْ رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وَلا أَصْحَابه) يَعْنِي النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابه قَارِنًا، فَهَؤُلاءِ لَمْ يَسْعَوْا بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة إِلا مَرَّة وَاحِدَة، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ سَعَى سَعْيَيْنِ، سَعْيًا لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ سَعْيًا آخَر لِحَجِّهِ يَوْم النَّحْر. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلالَة ظَاهِرَة لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ الْقَارِن لَيْسَ عَلَيْهِ إِلا طَوَاف وَاحِد لِلإِفَاضَةِ وَسَعْي وَاحِد.
ب-وروى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ ( .... فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ (وهم المتمتعون) بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (وهم القارنون) فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا).
ومرادها رضي الله عنها بالطواف الواحد السعي بين الصفا والمروة، فإن السعي يطلق عليه طواف.
قال ابن القيم: وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَعَدُّد السَّعْي عَلَى الْمُتَمَتِّع، فَإِنَّ قَوْلهَا (ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَر بَعْد أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِم) تُرِيد بِهِ الطَّوَاف بَيْن الصَّفَّا وَالْمَرْوَة، وَلِهَذَا نَفَتْهُ عَنْ الْقَارِنِينَ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ لَكَانَ الْجَمِيع فِيهِ سَوَاء فَإِنَّ طَوَاف الإِفَاضَة لا يَفْتَرِق فِيهِ الْقَارِن وَالْمُتَمَتِّع.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يكفي طواف واحد وسعي واحد للقارن؟
فأجاب:
إذا حج الإنسان قارناً فإنه يجزئه طواف الحج، وسعي الحجّ عن العمرة والحج جميعاً، ويكون طواف القدوم طواف سنّة وإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن شاء أخره إلى يوم العيد، بعد طواف الإفاضة، ولكن تقديمه أفضل لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كان يوم العيد فإنه يطوف طواف الإفاضة فقط، ولا يسعى لأنه سعى من قبل، والدليل على أن الطواف والسعي يكفيان للعمرة والحج جميعاً قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعائشة رضي الله عنها وكانت قارنة (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجِك وعمرتك) فبيّن النبي -عليه السلام- أن طواف القارن وسعي القارن يكفي للحج والعمرة جميعاً.