بابُ صَلَاةِ اَلْخَوْفِ
صلاة الخوف مشروعة بالكتاب والسنة.
قال ابن قدامة: صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ).
أما السنة: فثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي صلاة الخوف.
قال بعض العلماء: إن صلاة الخوف خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو قول أبو يوسف والمزني، لقوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) حيث وجه الخطاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وذهب جمهور العلماء: إلى أن حكمها باق بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن قدامة: جمهور الفقهاء متفقون على أن حكمها باقٍ بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: أن ما ثبت في حقه -صلى الله عليه وسلم- ثبت في حق أمته ما لم يقم دليل على اختصاصه، ولا يكفي تخصيصه بالخطاب لتخصيصه بالحكم، إذ أن أحكاماً كثيرة خص فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخطاب، والحكم عام له ولأمته، كما في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)، وكما ثبت أن الصحابة -رضي الله عنهم- صلوها بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الكيفية التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها عليها.
وقال القرطبي في قوله (وإذا كنت فيهم … ) وهذه الآية خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة، وهذا قول كافة العلماء. (التفسير).
وقال القرطبي في المفهم: وذهب أبو يوسف إلى أنه لا تغيير في الصلاة لأجل الخوف اليوم، وإنما كان التغيير المروي في ذلك، والذي دل عليه القرآن، خاصًّا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، مستدلاًّ بخصوصية خطابه تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة)، قال: فإذا لم يكن فيهم لم تكن صلاة الخوف. وهذا لا حجة فيه لثلاثة أوجه:
أحدها: أنا قد أمرنا باتباعه، والتأسِّي به، فيلزم اتباعه مطلقًا؛ حتى يدلّ دليل واضح على الخصوص، ولا يصلح ما ذكره دليلاً على ذلك، ولو كان مثل ذلك دليلاً على الخصوصية؛ للزم قصر الخطابات على من توجهت له، وحينئذ يلزم أن تكون الشريعة قاصرةً على من خوطب بها. لكن قد تقرر بدليل إجماعي؛ أن حُكْمَه على الواحد حُكمه على الجماعة.
وثانيها: أنه قد قال -صلى الله عليه وسلم- (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وثالثها: أن الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ اطَّرحوا توهُّم الخصوص في هذه الصلاة، وعَدَّوهُ إلى غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم أعلم بالمقال، وأقعد بالحال، فلا يُلتفت إلى قول من ادعى الخصوصية.
وهذا القول هو الراجح.