للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال قوم: بحمل أحاديث الشرب قائماً على حال الحاجة وأحاديث النهي مع عدمها.

قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم.

والرد من وجهين:

الأول: ظاهر أكثر الأحاديث شرب النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير حاجة.

الثاني: شرب الصحابة رضي الله عنهم قياماً وأفتوا بجوازه من غير أن يقيدوه بالحاجة وهم أعلم الناس بالشرع.

وقال قوم: النهي عن الشرب قائماً للتنزيه وشرب النبي صلى الله عليه وسلم قائماً يدل على الجواز.

وهذا قول جمهور العلماء.

قال بذلك الطبري، والبيهقي، والخطابي، والمازري، وأبو العباس أحمد بن عمر القرطبي، والنووي، وابن حجر، وابن الجوزي، والسخاوي، ومحمد بن أحمد السفاريني، وابن مفلح.

قال ابن حجر: وسلك آخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهي طريقة الخطابي وبن بطال في آخرين وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض. (الفتح).

وقال النووي: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى إِشْكَال، وَلَا فِيهَا ضَعْف، بَلْ كُلّهَا صَحِيحَة، وَالصَّوَاب فِيهَا أَنَّ النَّهْي فِيهَا مَحْمُول عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه. وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَبَيَان لِلْجَوَازِ، فَلَا إِشْكَال وَلَا تَعَارُض، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ نَسْخًا أَوْ غَيْره فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا، وَكَيْف يُصَار إِلَى النَّسْخ مَعَ إِمْكَان الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث لَوْ ثَبَتَ التَّارِيخ وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَكُون الشُّرْب قَائِمًا مَكْرُوهًا وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَالْجَوَاب: أَنَّ فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَا يَكُون مَكْرُوهًا، بَلْ الْبَيَان وَاجِب عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (شرح مسلم).

ما حكم الأكل قائماً؟

لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يحرم الأكل قائما، وإنما اختلفوا في ذلك: هل هو مكروه، أو خلاف الأولى؟

القول الأول: يكره الأكل قائما لغير حاجة؛ قياسا على الشرب.

ويؤيده تتمة حديث أنس في النهي عن الشرب قائما " قَالَ قَتَادَةُ لأنس: فَقُلْنَا فَالْأَكْلُ، فَقَالَ: "ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ ".

قال ابن حجر: قيل وَإِنَّمَا جُعِلَ الْأَكْلُ أَشَرَّ لِطُولِ زَمَنِهِ بِالنِّسْبَةِ لِزَمَنِ الشُّرْب.

واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله: ويكره الأكل والشرب قائما لغير حاجة.

وقال به الشيخ ابن باز، وابن عثيمين رحمهما الله. ينظر "فتاوى ابن باز" (٢٥/ ٢٧٦)، و"شرح رياض الصالحين لابن عثيمين".

<<  <  ج: ص:  >  >>