ومنهم منْ جمع بين الحديثين بوجوه منْ الجمع، منها: حمل الإذن عَلَى ما إذا علم طيب نفس صاحبه، والنهي عَلَى ما إذا لم يعلم.
ومنها: تخصيص الإذن بابن السبيل، دون غيره، أو بالمضطرّ، أو بحال المجاعة مطلقاً، وهي متقاربة.
وحكى ابن بطال عن بعض شيوخه: أن حديث الإذن كَانَ فِي زمنه -صلى الله عليه وسلم- وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده منْ التشاح، وترك المواساة. (الفتح).
قال الشوكاني في (نيل الأوطار) عند كلامه على هذا الحديث: وأحاديث في الباب بمعناه: ظاهر أحاديث الباب جواز الأكل من حائط الغير، والشرب من ماشيته بعد النداء المذكور من غير فرق بين أن يكون مضطراً إلى الأكل أو لا .. إلى أن يقول: والممنوع إنما هو الخروج بشيء من ذلك من غير فرق بين القليل والكثير.
• ما حكم من أخذ من الشجر وأخرجه معه قبل وضعه بالجرين؟
الحديث يدل أنه يغرم مثلي ما أخذ ويؤدب من غير قطع.
لأخذه مال الغير بغير إذنه.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن من سرق من غير حرز فإنه يضاعف عليه الضمان.
وهذا المذهب، واختيار ابن تيمية.
لحديث الباب.
فهو صريح في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى بمضاعفة الضمان في سرقة الثمر من غير حرزه.
القول الثاني: أنه لا يضاعف الضمان مطلقاً.
وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية.
لأن الله أمر بالمماثلة في معاقبة المعتدي، قال تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ).
قَالَ ابن عبد البر: لا أعلم أحداً منْ الفقهاء قَالَ بوجوب غرامة مثليه.
قالَ الموفق: واعتذر بعض أصحاب الشافعيّ عن هَذَا الخبر، بأنه كَانَ حين كانت العقوبة فِي الأموال، ثم نسخ ذلك.
قَالَ: ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو حجة، لا تجوز مخالفته، إلا بمعارضة مثله، أو أقوى منه، وهذا الذي اعتذر به هَذَا القائل، دعوى للنسخ بالاحتمال، منْ غير دليل عليه، وهو فاسد بالإجماع، ثم هو فاسد منْ وجه آخر؛ لقوله: "ومن سرق منه شيئا بعد أن يُؤيه الجرين، فبلغ ثمن المجن فعليه القطع"، فقد بَيَّن وجوب القطع، مع إيجاب غرامة مثليه، وهذا يبطل ما قاله، وَقَدْ احتج أحمد بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بَلْتَعَة حين انتحر غلمانه ناقة رجل منْ مزينة، مثلي قيمتها. (المغني).