للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيقضى عليه بالنكول بمجرد رفضه الحلف ولا ترد على المدعي.

مثال: ادعى زيد على عمرو (١٠٠) ريال، فقيل لزيد: هات البينة، فقال: ليس عندي بيّنة، وطلب أن يحلف المُنكر - الذي هو عمرو - فقال عمرو: لا أحلف، فعلى هذا القول: يحكم عليه بالنكول ولا نقول لزيد - المدعي - احلف أنك تطلبه كذا وكذا.

لقوله -صلى الله عليه وسلم- (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) فلم يجعل في جانب المدعي إلا البينة.

وذهب بعض العلماء: إلى أن اليمين ترد على المدعي (وهو طالب الحق)، وهو إن كان صادقاً في دعواه فالحلف لا يضره، وإن كان كاذباً فقد يهاب الحلف ولا يحلف. [الشرح الممتع: ١٥/ ٣٢١]

وفي هذه الحالة: إذا حلف أخذ ما ادعى به واستحق المتنازع عليه.

واستدل أصحاب هذا القول بحديث ابن عمر (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد اليمين على طالب الحق) رواه الدارقطني وهو حديث ضعيف [معنى رد الحق: تنقل من المدعَى عليه إلى المدعِي].

ولأنه إذا رفض المدعي عليه أن يحلف ظهر صدق المدعي، فقوي جانبه، فتشرع اليمين في حقه كما كانت تشرع في حق المدعى عليه قبل نكولهِ. [اليمين في حق من جانبه أقوى دائماً].

[ما الحكمة البينة على المدعي؟]

الحكمة في كون البينة على المدعِي، واليمين على المدعَى عليه، هو ما بيّنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: لو يُعطَى الناس بدعواهم لادَّعَى ناس دماء رجال، وأموالهم.

وقال العلماء: الحكمة في ذلك أن جانب المدعِي ضعيف؛ لأنه يقول خلاف الظاهر، فكُلّف الحجة القوية، وهي البينة؛ لأنها لا تجلُب لنفسها نفعًا، ولا تدفع عنها ضررًا، فيقوى بها ضَعف المدعِي، وجانب المدعَى عليه قويّ؛ لأنَّ الأصل فراغ ذمته، فاكتُفي منه باليمين، وهي حجة ضعيفة؛ لأنَّ الحالف يجلب لنفسه النفع، ويدفع الضرر، فكان ذلك في غاية الحكمة.

فالرسول -صلى الله عليه وسلم-: في هذا الحديث بيّن الحكم، وبين الحكمة في هذه الشريعة الكلية، وأنها عين صلاح العباد في دينهم ودنياهم، وأنه لو يعطى الناس بدعواهم لكثر الشر والفساد، ولإدعى رجال دماء قوم وأموالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>