• فإن قيل: ما الحكمة في الرمل بعد زوال علته التي شرع من أجلها؟
الجواب: أن بقاء حكم الرمل مع زوال علته، لا ينافي أن لبقائه علة أخرى، وهي أن يتذكر به المسلمون نعمة الله عليهم حيث كثرهم وقواهم بعد القلة والضعف.
ومما يؤيده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل في حجة الوداع بعد زوال العلة المذكورة.
• من أين يكون الرمل وإلى أين؟
الرمل يكون من الحجر إلى الحجر.
لحديث ابن عمر (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحَجَر إلى الحجر).
وهذا يقدم على حديث ابن عباس، لأن:
حديث ابن عباس كان في عمرة القضاء في ذي القعدة عام سبع، وأما حديث ابن عمر: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحجر إلى الحجر) كان في حجة الوداع، فيكون هذا ناسخاً للمشي بين الركنين الثابت في حديث ابن عباس، لأنه متأخر عنه.
قال النووي في شرح حديث ابن عمر (رمل من الحجَر إلى الحجر): فيه بيان أن الرَّمَل يُشرع في جميع المطاف من الْحَجَر إلى الْحَجَر، وأما حديث ابن عباس … قال: وأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يَرْمُلوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الرَّكنين، فمنسوخ بالحديث الأول؛ لأن حديث ابن عباس كان في عُمرة القضاء سنة سبع، قبل فتح مكة، وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم، وإنما رَملوا إظهاراً للقوة، واحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الرَّكُنين اليمانيين؛ لأن المشركين كانوا جلوساً في الْحِجْر، وكانوا لا يرونهم بين هذين الركنين، ويرونهم فيما سوى ذلك، فلما حج النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع سَنة عَشر رَمَل مِنْ الْحَجَر إلى الْحَجَر، فوجب الأخذ بهذا المتأخر.
وقال ابن تيمية بعد ذكر حديث ابن عباس: وكان هذا في عمرة القضية، ثم اعتمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عمرة الجعرانة ومكة دار إسلام، ثم حج حجة الوداع وقد نفى الله الشرك وأهله ورمل من الحَجَر إلى الحجر.
• من الذين لا يشرع لهم الرمل؟
أولاً: أهل مكة.
قال ابن عبد البر: واختلفوا في أهل مكة إذا حَجوا هل عليهم رَمَل أم لا؟ فكان ابن عمر لا يرى عليهم رَملاً إذا طافوا بالبيت.
وقال ابن قدامة: وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَرْمُلْ.
والسبب أنه ليس لهم طواف قُدُوم؛ لأنهم مِنْ حاضري المسجد الحرام.
[الثاني: النساء فلا يشرع لهن الرمل.]
قال النووي: اتفق العلماء على أن الرَّمَل لا يُشرع للنساء، كما لا يُشرع لهن شِدّة السعي بين الصفا والمروة. ولو ترك الرَّجُل الرَّمَل حيث شُرع له فهو تارك سُنة، ولا شيء عليه.