٨٣١ - وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي اَلْبُيُوعِ فَقَالَ (إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خَلَابَةَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
(ذَكَرَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهَذَا الرَّجُل هُوَ حَبَّان بِفَتْحِ الْحَاء وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة اِبْن مُنْقِد بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ وَالِد يَحْيَى وَوَاسِع بَنِي حَبَّان شَهِدَا أُحُدًا، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ وَالِده مُنْقِد بْن عَمْرو، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَة وَثَلَاثِينَ سَنَة، وَكَانَ قَدْ شُجَّ فِي بَعْض مَغَازِيه مَعَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْض الْحُصُون بِحَجَرٍ فَأَصَابَتْهُ فِي رَأْسه مَأْمُومَة فَتَغَيَّرَ بِهَا لِسَانه وَعَقْله لَكِنْ لَمْ يَخْرُج عَنْ التَّمْيِيز. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ أَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ لَهُ مَعَ هَذَا الْقَوْل الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فِي كُلّ سِلْعَة يَبْتَاعهَا. (قاله النووي).
(أَنَّهُ يُخْدَعُ) أي: يُغر ويُخدع.
(فِي اَلْبُيُوعِ) أي: في حال مبايعته للناس.
وقد بيّن ابن إسحاق في روايته المذكورة سبب شكواه، وهو ما يلقى من الغبن، وقد أخرجه أحمد، وأصحاب السنن من حديث أنس ولفظه (أن رجلاً كان في عُقدته ضعف، كان يبايع، وأن أهله أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا نبي الله احْجُر عليه، فدعاه نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فنهاه، فقال: يا نبي الله لا أصبر عن البيع، قال: إذا بايعت، فقل: لا خلابة.
(لَا خِلَابَةَ) بكسر الخاء وتخفيف اللام، أي: لا خديعة، أَيْ لَا تَحِلّ لَك خَدِيعَتِي أَوْ لَا يَلْزَمنِي خَدِيعَتك.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد إثبات خيار الغبن لمن غبن في البيع.
وقد اختلف العلماء في إثبات خيار الغبن.
فقيل: يثبت خيار الغبن للمغبون.
وهذا قول أحمد.
وقيل: لا يثبت الخيار لكل مغبون، إلا من كان مثل هذا الرجل بضعف عقله.
قال النووي: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحَدِيث فَجَعَلَهُ بَعْضهمْ خَاصًّا فِي حَقّه وَأَنَّ الْمُغَابَنَة بَيْن الْمُتَبَايِعَيْنِ لَازِمَة لَا خِيَار لِلْمَغْبُونِ بِسَبَبِهَا سَوَاء قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَآخَرِينَ وَهِيَ أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِك. وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيَّة: لِلْمَغْبُونِ الْخِيَار لِهَذَا الْحَدِيث بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغ الْغَبْن ثُلُث الْقِيمَة فَإِنْ كَانَ دُونه فَلَا. وَالصَّحِيح الْأَوَّل لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت أَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَار، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: (قُلْ لَا خِلَابَة) أَيْ لَا خَدِيعَة، وَلَا يَلْزَم مِنْ هَذَا ثُبُوت الْخِيَار وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَار كَانَتْ قَضِيَّة عَيْن لَا عُمُوم لَهَا، فَلَا يَنْفُذ مِنْهُ إِلَى غَيْره إِلَّا بِدَلِيلٍ وَاَللَّه أَعْلَم.
وقال الشوكاني: واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور بالله والإمام يحيى أنه يثبت الرد لكل من شرط هذا الشرط ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشا وهو ثلث القيمة عنده قالوا بجامع الخدع الذي لأجله أثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك الرجل الخيار وأجيب بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة ولهذا روى أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعله بالخيار ثلاثا فيرجع في ذلك وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل ولا ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة وهذا مذهب الجمهور وهو الحق. (نيل الأوطار).