• ما حكم تخليل اللحية الكثيفة؟
اختلف العلماء في حكم تخليلها على قولين:
القول الأول: أنه سنة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لحديث الباب وشواهده، فإن فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخلل لحيته.
ب- ومن أدلة الجمهور على أن تخليل اللحية الكثيفة غير واجب، وأن باطن اللحية الكثيفة لا يجب غسله:
ما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ … ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ.
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كث اللحية، فغرفة واحدة لا تكفي لغسل الوجه، وغسل ما تحت اللحية، فعلم من ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- اكتفى بغسل ظاهرها فقط.
قال ابن قدامة رحمه الله: اللحية إن كانت خفيفة تصف البشرة وجب غسل باطنها، وإن كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها، ويستحب تخليلها.
القول الثاني: يكره تخليلها.
قالوا: لأنه لم يثبت في تخليل اللحية حديث.
والأحاديث الصحيحة في صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تذكر تخليل اللحية، كحديث عثمان في الصحيحين، وحديث عبد الله بن زيد فيهما، وحديث ابن عباس في البخاري، وحديث علي عند أبي داود وغيرها من الأحاديث الصحيحة.
ولعل مما يرجح الاستحباب ورود ذلك عن ابن عمر، فعن نافع عن ابن عمر (أنه كان يخلل لحيته).
قال ابن قدامة: وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ، وَلَا يَجِبُ التَّخْلِيلُ؛ وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي تَرْكِ التَّخْلِيلِ ابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّخْلِيلَ.
وَأَكْثَرُ مَنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَحْكِهِ.
وَلَوْ وَاجِبًا لَمَا أَخَلَّ بِهِ فِي وُضُوءٍ، وَلَوْ فَعَلَهُ فِي كُلِّ وُضُوءٍ لَنَقَلَهُ كُلُّ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَتَرْكُهُ لِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ فَلَا يَبْلُغُ الْمَاءُ مَا تَحْتَ شَعْرِهَا بِدُونِ التَّخْلِيلِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَفِعْلُهُ لِلتَّخْلِيلِ فِي بَعْضِ أَحْيَانِهِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (المغني).
وقال النووي رحمه الله: اللحية الكثيفة يجب غسل ظاهرها بلا خلاف، ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحته، هذا هو المذهب الصحيح المشهور، الذي نص عليه الشافعي رحمه الله، وقطع به جمهور الأصحاب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم، وحكى الرافعي قولاً ووجهاً أنه يجب غسل البشرة وهو مذهب المزني وأبي ثور. (المجموع).