ومما يؤيد حلول الأجل بالموت [أن الأجل شرع ترفيهاً للمدين، ولاعتبارات شخصية وأوصاف معينة جعلت الدائن يوافق على تأجيل دينه لثقته في المدين أن يفي بوعده بسداد الدين عند حلول أجله، ولذلك ومن هذه الناحية كان حقاً شخصياً يسقط بموت المدين، كما أن قوة دليل الجمهور النقلي منها أو العقلي تجعلني أرجح رأيهم هذا، ولكن من ناحية أخرى توجد فيه الشائبة المالية، لأنه في مقابل الأجل تزداد قيمة السلع، وتكون هذه الزيادة في مقابلة الأجل، ولذلك أرى أن يسقط من الزيادة بقدر ما بقي من مدة الأجل، إذا كان هذه الدين ثمناً لمبيعٍ أُجل ثمنُهُ، سواء أن البيع مرابحةً أو كان بيعاً بالتقسيط أو غيره، لأن العادة في مثل هذه البيوع أن تزاد أثمانها إذا كانت مؤجلةً أو مقسطةً عملاً بفتوى المتأخرين من الأحناف، وفي ذلك رفقاً ومصلحةً للدائن وورثة المدين، وليس في ذلك رائحة أو شائبة من الربا] بيع المرابحة والتقسيط ودورها في المعاملات المصرفية في الفقه الإسلامي للكباشي ص ٢١.
وخلاصة الأمر: أن الديون المؤجلة والمقسَّطة تحلُّ بموت المدين على الراجح من أقوال الفقهاء، ويلزم الورثة سداد ديون الميت الآجلة ما دام أن الميت قد ترك وفاءً لديونه، ويكون سداد الديون قبل توزيع التركة، حيث إن العلماء متفقون على أن قضاء الدين مقدمٌ على تنفيذ وصايا الميت، وإن كانت الوصية مقدمة على الدين في آية المواريث (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) كما أن الرفق يقتضي إسقاط ما قابل التأجيل من زيادة
- عظم أمر الدين.
• هل يجب المبادرة لقضاء دين الميت إذا ترك مالاً؟
نعم، يجب المبادرة لقضاء دين الميت من قبل الورثة إذا ترك الميت مالاً، فما يفعله بعض الورثة من تأخير السداد، جناية في حق الميت، لأن نفسه معلقة حتى يسدد عنه.
• لماذا يستحب المبادرة لسداد الدين في الحياة؟
لسببين:
أولاً: لأن نفس المؤمن معلقة بدينه.
ثانياً: ولأن كثيراً من الورثة لا يحرصون على سداد دين ميتهم مع أنه ترك مالاً.
قال الصنعاني في حديث الباب: وهذا الحديث من الدلائل على أنه لا يزال الميت مشغولاً بدينه بعد موته، ففيه حث على التخلص عنه قبل الموت، وأنه أهم الحقوق، وإذا كان هذا في الدين المأخوذ برضا صاحبه، فكيف بما أخذ غصباً ونهباً وسلباً.
• اذكر خطورة الديْن؟
أولاً: يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين.
قال -صلى الله عليه وسلم- (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) رواه مسلم.
وروى النسائي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ -رضي الله عنه- قَالَ (كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ).
ثانياً: من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله.
قال -صلى الله عليه وسلم- (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.
قال ابن حجر: (أتلفه الله) ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه، وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئاً من الأمرين، وقيل: المراد بالإتلاف عذاب الآخرة.