وقَالَ الكرمانيّ رحمه الله تعالى: [فإن قلت]: فما الحكمة فِي كونه أفضل الاستغفارات؟
قلت: هَذَا وأمثاله منْ التعبديات، والله أعلم بذلك، لكن لا شك أن فيه ذكر الله بأكمل الأوصاف، وذكر نفسه بأنقص الحالات، وهو أقصى غاية التضرع، ونهاية الاستكانة لمن لا يستحقها إلا هو.
وقال: ابن أبي جمرة: جمع -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْحَدِيث، منْ بديع المعاني، وحسن الألفاظ، ما يحق له أَنْ يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالإلهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به، والاستعاذة منْ شر ما جنى العبد عَلَى نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته فِي المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد عَلَى ذلك إلا هو، وفي كل ذلك الإشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة، فإن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كَانَ فِي ذلك عون منْ الله تعالى، وهذا القدر الذي يكنى عنه بالحقيقة، فلو اتفق أن العبد خالف حَتَّى يجرى عليه ما قُدّر عليه، وقامت الحجة عليه ببيان المخالفة، لم يبق إلا أحد أمرين: إما العقوبة بمقتضى العدل، أو العفو بمقتضى الفضل.
[اذكر فضائل الاستغفار؟]
الاستغفار له فوائد كثيرة:
أولاً: تكفير السيئات ورفع الدرجات.
قال تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً).
وفي الحديث القدسي (قال الله: من يستغفرني فأغفر له .. ) متفق عليه.
وتقدم قوله تعالى في الحديث القدسي (فاستغفروني أغفر لكم) رواه مسلم.
ثانياً: سبب لسعة الرزق والإمداد بالمال والبنين.
قال تعالى عن نوح أنه قال لقومه (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً).
ثالثاً: سبب لحصول القوة في البدن.
قال هود لقومه (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).
رابعاً: سبب لدفع المصائب ورفع البلايا.
قال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
خامساً: سبب لبياض القلب.
قال -صلى الله عليه وسلم- (إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه) رواه أحمد.