للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• ما الجمع بين قوله (وَخَيْرُ اَلصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى) وبين قوله (أَفْضَلُ الصدقة جُهْدُ اَلْمُقِلِّ)؟

قال الصنعاني: ووجه الجمع بين هذا الحديث والذي قبله ما قاله البيهقي ولفظه: والجمع بين -صلى الله عليه وسلم-: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" وقوله: "أفضل الصدقة جهد المقل" أنه يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية وساق أحاديث تدل على ذلك.

وقال البغوي: والاختيار للرجل أن يتصدق بالفضل من ماله، ويستبقي لنفسه قوتاً لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وربما يلحقه الندم على ما فعل، فيبطل به أجره، ويبقى كلاً على النّاس، ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر خروجه من ماله أجمع، لَّما علم من قوة يقينه وصحة توكله، فلم يخف عليه الفتنة، كما خافها على غيره، أمّا من تصدق وأهله محتاجون إليه أو عليه دين فليس له ذلك، وأداء الدين والإنفاق على الأهل أولى، إلا أن يكون معروفاً بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، فأثنى الله عليهم بقوله (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وهي الحاجة والفقر.

وقال القرطبي: وَالْمُخْتَار أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَفْضَلُ الصَّدَقَة مَا وَقَعَ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَال بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّق مُحْتَاجًا بَعْدَ صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَد، فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُصُول مَا تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَة الضَّرُورِيَّة كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ الْمُشَوِّشِ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْحَاجَة إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى، وَمَا هَذَا سَبِيله فَلَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ أَوْ الْإِضْرَارِ بِهَا أَوْ كَشْف عَوْرَتِهِ، فَمُرَاعَاة حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَال، فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ صَحَّ الْإِيثَارُ وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ الْأَفْضَل لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْر وَشِدَّةِ مَشَقَّتِهِ، فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُض بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>