٨٦٣ - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ (أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنَ اَلصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ اَلرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقَالَ: لَا أَجِدُ إِلَّا خَيَارًا، قَالَ: " أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ اَلنَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَسْلَفَ) أي: اقترض.
(مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا) بفتح الباء، وهو الصغير من الإبل، قال النووي: أَمَّا الْبَكْر مِنْ الْإِبِل: فَبِفَتْحِ الْبَاء وَهُوَ الصَّغِير كَالْغُلَامِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، وَالْأُنْثَى بَكْرَة وَقَلُوص، وَهِيَ الصَّغِيرَة كَالْجَارِيَةِ.
(فَقَالَ: لَا أَجِدُ إِلَّا خَيَارًا) الخيار: هو الجيد، وفي رواية (خياراً رباعياً) والرَّبَاعي من الإبل: هو الذكر منها إذا أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة حين طلعت رباعيته.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: جواز الزيادة بالوفاء بما هو أفضل من الشي المقترض، وأن ذلك من حسن القضاء.
قال النووي: وَفِيهَ: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْن مِنْ قَرْض وَغَيْره أَنْ يَرُدّ أَجْوَد مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ السُّنَّة وَمَكَارِم الْأَخْلَاق، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَرْض جَرَّ مَنْفَعَة فَإِنَّهُ مَنْهِيّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْد الْقَرْض، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ الزِّيَادَة فِي الْأَدَاء عَمَّا عَلَيْهِ. وَيَجُوز لِلْمُقْرِضِ أَخْذهَا سَوَاء زَادَ فِي الصِّفَة أَوْ فِي الْعَدَد بِأَنْ أَقْرَضَهُ عَشَرَة فَأَعْطَاهُ أَحَد عَشَر، وَمَذْهَب مَالِك: أَنَّ الزِّيَادَة فِي الْعَدَد مَنْهِيّ عَنْهَا، وَحُجَّة أَصْحَابنَا عُمُوم قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (خَيْركُمْ أَحْسَنكُمْ قَضَاء). (نووي)
فالزيادة في القرض على نوعين:
الأول: أن تكون مشترطة في أصل العقد، وهذا ربا بالإجماع، كما سيأتي إن شاء الله.
الثاني: أن تكون الزيادة غير مشروطة في أصل العقد، وإنما بذلها المقترض من باب حسن الأداء، فهذا مستحب ومن مكارم الأخلاق، كما في حديث الباب.
• هل الزيادة يجوز أن تكون في الصفة والعدد، أم فقط في الصفة دون العدد؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يجوز أن تكون الزيادة في القدر أو في الصفة.
وهذا قول جماهير العلماء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
أ- لحديث الباب.
وجه الدلالة: فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في قضائه القرض بالسن الخيار، وثناءه على حسن القضاء يدل على استحباب تطوع المقترض بزيادة على ما اقترضه عند الوفاء، ويدل على جواز قبول المقرض لذلك سواء كانت الزيادة في المقدار أو في الصفة، لأن النص أطلق ولم يقيد.
فقوله -صلى الله عليه وسلم- (إن خيار الناس أحسنهم قضاء) عام يتناول حسن القضاء في الصفة كما يتناول حسن القضاء في القدر.
ب-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي) متفق عليه.