قال القرطبي: وأما حديث أبي هريرة ففيه النهي عن تمني الموت مطلقاً لضرٍّ ولغير ضر.
القول الثاني: أنه لا يجوز لضر نزل به من فقر أو مرض وأما إذا خاف فتنة في دينه فإنه يجوز.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أطلق - في حديث أبي هريرة - النهي عن تمني الموت، وقيّده في حديث أنس، بأن يكون تمنيه لضر نزل به، فيحمل المطلق على المقيد.
ب- أن مطلق حديث أنس يشمل الضر الدنيوي والأخروي، لكن المراد إنما هو الضر الدنيوي فقط، بدليل رواية ابن حبان ( … لضر نزل به في الدنيا) حيث قيد الضر كونه في الدنيا.
ج- أنه قد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على جواز الدعاء بالموت عند خوف الفتن، ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( … وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) رواه أحمد.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء) رواه مسلم.
فقوله -صلى الله عليه وسلم- (وليس به الدين) يقتضي إباحة ذلك أن لو كان عن الدين.
قال ابن رجب: وأما تمني خوف فتنة في الدين، فإنه يجوز بغير خلاف.
وقال في موضع آخر: هو جائز عند أكثر العلماء.
• اذكر ما ورد عن السلف في تمني الموت خوف الفتنة؟
وقال عمر (اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط)
وتمنت زينب بنت جحش لما جاءها عطاء عمر فاستكثرته وقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعدها، فماتت قبل أن يدركها عطاء ثان لعمر.
وسأل عمر بن عبد العزيز من ظن به إجابة الدعاء أن يدعو له بالموت، لما ثقلت عليه الرعية، وخشي العجز عن القيام بحقوقهم.
وطُلب كثير من السلف الصالح إلى بعض الولايات، فدعوا لأنفسهم بالموت فماتوا.
واشتهر بعضهم واطلع على بعض عمل أحدهم أو معاملته مع الله فدعا لنفسه بالموت فمات.
وكان سفيان الثوري يتمنى الموت كثيراً فسئل عن ذلك فقال: ما يدريني لعلي أدخل في بدعة، لعلي أدخل فيما لا يحل لي، لعلي أدخل في فتنة أكون قد مت فسبقت هذا.
وفي المسند عن محمود بن لبيد. عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (اثنتان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب).