قال بعض العلماء: وإن في شهادة الزور ثلاثة آثام:
الإثم الأول: كونها معصية، وإثمًا من أكبر الآثام والكبائر، فبها يظلم الإنسان نفسه لكذبه وافترائه.
الإثم الثاني: إعانة الظالم على ظلمه؛ حيث يشهد له ويساعده على أكل أموال الناس بالباطل، وإباحة ما حُرِّمَ عليه من حقوقهم.
الإثم الثالث: خذلان المظلوم؛ حيث يؤخذ بهذه الشهادة ماله، وعرضه، ودمه، فيبني القاضي عليه حكمه، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (إنما أنا بشر مثلكم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له في مال أخيه بغير حق فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من نار).
-اذكر الأدلة على تحريمها؟
جاءت الأدلة الكثيرة بتحريم ذلك:
قال تعالى (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور): " (مِنْ) هنا لبيان الجنس؛ أي: اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، وقرن الشرك بقول الزور كقوله (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُون)، ومنه شهادة الزور.
وقال تعالى (والَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "وقيل المراد بقوله تعالى (لَا يَشْهَدُونَ الزُّور) أي: شهادة الزور، وهي الكذب مُتَعَمِّدًا على غيره"؛ اهـ.
فهذا لما فيه من ضياع للحقوق، أو ظلم لبريء، أو تبرئة لظالم، وهذا كذب وزور، فينبغي أن تكون الشهادة كما ورد في كتاب الله تعالى (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا).
وأما الأحاديث:
فحديث الباب.
وعن أنس رضي الله عنه قال (سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الكبائر؟ فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور) رواه البخاري.
وكثرة شهادة الزور من علامات الساعة:
جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قوله -صلى الله عليه وسلم- (إن بين يدي الساعة … شهادة الزور وكتمان شهادة الحق) رواه أحمد.
ومن صفات عباد الرحمن التي ذكرها الله في القرآن في آخر سورة الفرقان أنهم لا يشهدون الزور.
كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَاذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).
وتدبر قوله تعالى في سورة الحج (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) ففي هذه الآية أمر الله تعالى باجتناب الشرك واجتناب قول الزور.