للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولهذا قال في الحديث (وإنما يستخرج من البخيل).

وسر ثالث في كراهة الالتزام بالنذر، وهو ما فيه من تضييق على النفس وإلزامها بما كان لها عنه مندوحة، وقد يغلبه الكسل أو الشح أو الهوى فلا يفي به، وقد يؤديه كارهاً مستثقلاً له بعد إن لم يعد له خيار في شأنه.

قال القرطبيّ: هذا النذر محلّه أن يقول: إن شفى اللَّه مريضي، أو قَدِم غائبي فعليّ عتق رقبة، أو صدقة كذا، أو صوم كذا.

ووجه هذا النهي:

هو أنه لَمّا وقف فعل هذه القربة على حصول غرض عاجل، ظهر أنه لم يتمحّض له نية التقرّب إلى اللَّه تعالى بما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعاوضة، ألا ترى أنه لو لم يحصل غرضه لم يفعل؟ وهذه حال البخيل، فإنه لا يُخرج من ماله شيئًا إلا بعوض عاجل يربّي على ما أخرج، وهذا المعنى هو الذي أشار إليه بقوله -صلى الله عليه وسلم- إنما يُستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يُخرجه.

ثم يُضاف إلى هذا، اعتقاد جاهل يظنّ أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن اللَّه تعالى يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليهما الإشارة بقوده -صلى الله عليه وسلم- (فإن النذر لا يردّ من قدر اللَّه شيئاً) وهاتان جهالتان، فالأولى تقارب الكفر، والثانية خطأٌ صُراح. (المفهم)

وقال النووي: قَالَ الْمَازِرِيّ: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَب النَّهْي عَنْ كَوْن النَّذْر يَصِير مُلْتَزَمًا لَهُ، فَيَأْتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاط، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَبه كَوْنه يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي اِلْتَزَمَهَا فِي نَذْره عَلَى صُورَة الْمُعَاوَضَة لِلْأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ فَيَنْقُص أَجْره، وَشَأْن الْعِبَادَة أَنْ تَكُون مُتَمَحِّضَة لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَيَحْتَمِل أَنَّ النَّهْي لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنّ بَعْض الْجَهَلَة أَنَّ النَّذْر يَرُدّ الْقَدَر، وَيَمْنَع مِنْ حُصُول الْمُقَدَّر فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِل يَعْتَقِد ذَلِكَ، وَسِيَاق الْحَدِيث يُؤَيِّد هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَم.

• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟

- الحثّ على الإخلاص في عمل الخير.

- أن فيه ذمّ البخل.

- أن من اتّبع المأمورات، واجتنب المنهيّات لا يُعد بخيلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>