٨٤٥ - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- عَنِ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيماً مِنْ أَبْوَابِ اَلرِّبَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.
===
(الشفاعة) السعي للغير في جلب نفع أو دفع مضرة.
• ما صحة حديث الباب؟
في إسناده ضعف.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
الحديث دليل على أنه لا يجوز أخذ هدية مقابلة الشفاعة.
قال الصنعاني: وفيه دليل على تحريم الهدية في مقابلة الشفاعة، وظاهره سواء كان قاصداً لذلك عند الشفاعة أو غير قاصد.
معنى الحديث: أنَّ مَنْ شفع لأخيه المسلم شفاعة، بأن توسَّط له عند الغير لقضاء مصلحة بجلب منفعة أو دفع مضرَّة، فأَهْدَى المشفوع له هديَّة للشافع، نظير هذه الشفاعة والوساطة، فقَبِلها الشافِع؛ فحرامٌ عليه؛ لأنه أمرٌ يسيرٌ لا يجوز أخذ العِوَض عليه في الدنيا، وقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا
قال العلماء: وَذَلِكَ لأَنَّ الشَّفَاعَةَ الْحَسَنَةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْهَدِيَّةِ عَلَيْهَا يُضَيِّعُ أَجْرَهَا، كَمَا أَنَّ الرِّبَا يُضَيِّعُ الْحَلَالَ .... (عون المعبود)
وهناك وَجْهٌ آخر لجعل قبول الهديَّة على الشفاعة من الرِّبا، وهو أنَّ " الرِّبا هو الزيادة في المال من الغير، لا في مقابلة عِوَض، وهذا مثله.
يعني: أن الشافع أخذ مالاً بدون مقابل فهو يشبه المرابي الذي أخذ الزيادة بدون مقابل.
ممَّا جاء عن السلف في معنى الحديث:
قول ابن مسعود -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى عن اليهود: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ): "السُّحت: أَنْ تطلبَ لأخيك الْحَاجة فتُقضَى؛ فيهدي إِلَيْك هَدِيَّة فتقبلها مِنْه.
وعن مَسْرُوق رحمه الله تلميذ ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنَّه شفعَ لرجل في حاجةٍ، فأهدى له جاريةً؛ فغضبَ مسروقٌ غضبًا شديدًا، وقال: " لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَفْعَلُ هَذَا مَا كَلَّمْتُ فِي حَاجَتِك، وَلَا أُكَلِّمُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتِكَ. سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَرْفَعَ بِهَا ظُلْمًا، فَأُهْدِيَ لَهُ، فَقَبِلَ؛ فَهُوَ سُحْت.
وقد أخذ بعض العلماء بظاهر هذا الحديث، فمنعوا أخذ الهدية على الشفاعة، سواء كانت الشفاعة واجبة أو غير واجبة.
وذهب بعض العلماء: إلى جواز أخذ الهدية على الشفاعة إذا كانت غير واجبة.
وحملوا هذا الحديث على: الشفاعة الواجبة - كالشفاعة عند السلطان في إنقاذ مظلوم من يد ظالم، أو الشفاعة المحرَّمة - كالشفاعة عند السلطان في تولية ظالم على الرَّعيَّة.
لأنَّ الشفاعة إذا كانت في واجب فهي واجبة، فأخذ الهديَّة في مقابلها محرّم، وإذا كانت في أمر محرَّم؛ فأخذ الهديَّة في مقابلها محرَّم.
أما إذا كانت الشفاعة في أمر مباح؛ فأخذ الهديَّة عليها مباح؛ قالوا: لأنها مكافأة على إحسانٍ غير واجب.
وهذا اختيار ابن تيمية.