القول الثاني: أنها جائزة عند الحاجة، مكروهة عند عدمها.
وهو مذهب الحنفية، والمالكية، وهو مذهب الحنابلة.
جاء في الموسوعة الفقهية: جمهور العلماء على إباحتها، لعموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع) ولأنه لم يظهر فيها قصد الربا ولا صورته.
أ- لعموم قوله تعالى (وأحل الله البيع).
ب- ولقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً).
وجه الدلالة: أن التورق نوع من المداينات التي تدخل في عموم الآية.
ج- أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام دليل صريح صحيح على منعه.
د- قال ابن قدامة: ولأن الحاجة العامة إذا وجدت أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة، كالسلم، وإباحة اقتناء الكلب للصيد والماشية في حق من لا يحتاج إليهما.
وقد أجازها الشيخ ابن باز رحمه الله، فقال: وأما مسألة التورق فليست من الربا، والصحيح حلها، لعموم الأدلة، ولما فيها من التفريج والتيسير وقضاء الحاجة الحاضرة، أما من باعها على من اشراها منه، فهذا لا يجوز بل هو من أعمال الربا، وتسمى مسألة العينة، وهي محرمة لأنها تحايل على الربا.
وقد توسط الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقال بجوازها بشروط معينة.
قال رحمه الله في رسالة المداينة: " القسم الخامس - أي من أقسام المداينة -: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في جوازها، فمنهم من قال: إنها جائزة؛ لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إما عين السلعة وإما عوضها وكلاهما غرض صحيح.
ومن العلماء من قال: إنها لا تجوز؛ لأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخلت السلعة بينهما تحليلاً، وتحليل المحرم بالوسائل التي لا يرتفع بها حصول المفسدة لا يغني شيئاً، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد.
بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في "تهذيب السنن" (٥/ ٨٠١).
ولكن نظراً لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط:
١ - أن يكون محتاجا إلى الدراهم، فإن لم يكن محتاجاً فلا يجوز، كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره.
٢ - أن لا يتمكن من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة كالقرض، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنه لا حاجة به إليها.
٣ - أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا مثل أن يقول: بعتك إياها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، فإن اشتمل على ذلك فهو إما مكروه أو محرم، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم، لا يصح. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة.
٤ - أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجه كيلا يحصل تضييق على الناس.
وليكن معلوماً أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال؛ لأن هذه هي مسألة العينة.