قال ابن عطية: وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس، هو لفظ كتاب الله تعالى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
الصيغة الثاني: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى (فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
كما في حديث أبي سعيد الذي عند أبي داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك ـ ثم يقول ـ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
قال ابن كثير: وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق، والنفخ الكبر، والنفث الشعر [الشعر المذموم].
• ما معنى قوله ( .. مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ)؟
همزه: هو الصرع والجنون الذي يصيب الإنسان.
ونفخه: هو الكبر، لأن الشيطان ينفخ الإنسان حتى يتكبر.
ونفثه: هو الشعر، وقيل هو السحر.
• لماذا يستعيذ الإنسان قبل القراءة؟
ذكر ابن القيم عدة أمور:
منها: أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذْهِب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أثره فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء يخلو منه القلب ليصادف الدواء محلاً خالياً، فيتمكن منه، ويؤثر فيه.
فيجيء هذا الدواء الشافي إلى قلب قد خلا من مزاحم ومضاد له فيجتمع فيه.
ومنها: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته، كما في حديث أسيد بن حضير لما كان يقرأ ورأى مثل الظلة فيها مثل المصابيح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تلك الملائكة)، والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه حتى يُحَصِّلَ خاصته وملائكته، فهذه وليمة لا يجتمع فيها الملائكة والشياطين.
ومنها: أن الشيطان يُجْلِب على القارئ بخيله ورَجْله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه، فيحرص على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله عز وجل منه.
ومنها: أن القارئ مناجٍ لله تعالى بكلامه، والله تعالى أشد أذَناً للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنَة إلى قينته، والشيطان إنما قراءته الشعر والغناء، فأمر القارئ أن يطرده بالاستعاذة عند مناجاته تعالى واستماع الرب قراءته.
ومنها: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عند ما يهُمُّ بالخير أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذٍ فيه، فهو يشتد عليه حينئذٍ ليقطعه عنه، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن شيطاناً تفلت علي البارحة، فأراد أن يقطع علي صلاتي)، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى، كان اعتراض الشيطان له أكثر.