قال الإمام مالك: أدركت بهذه البلدة _ يعني المدينة _ أقواماً ليس لهم عيوب، فعابوا الناس فصارت لهم عيوب، وأدركت بهذه البلدة أقواماً كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس فنسيتْ عيوبهم.
[هل يستر على كل أحد؟]
قال ابن رجب رحمه الله: واعلم أن الناس على ضربين:
أحدهما: من كان مستوراً لا يعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة أو زلة، فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها، لأن ذلك غيبة محرمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص.
ومثل هذا لو جاء تائباً نادماً، وأقر بحده، لم يفسره ولم يستفسره، بل يؤمر بأن يرجع ويستر نفسه، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ماعزاً والغامدية.
والثاني: من كان مشتهراً بالمعاصي معلناً بها، ولا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، هذا هو الفاجر المعلن، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره، لتقام عليه الحدود، ومثل هذا لا يشفع له إذا أخذ ولو لم يبلغ السلطان، بل يترك حتى يقام عليه الحد، ليكشف ستره، ويرتدع به أمثاله.
[في الحديث فضل عظيم لمن أعان غيره من المسلمين؟]
لقوله -صلى الله عليه وسلم- (وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ اَلْعَبْدِ مَا كَانَ اَلْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- قَال ( … ومن مَنْ كَانَ في حَاجَة أخِيه، كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ).
وفي حَدِيثِ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَال (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَل) رواه مسلم.
قال ابن رجب: وخرَّج الطبراني من حديث عمر مرفوعاً (أفضلُ الأعمال إدخالُ السُّرور على المؤمن: كسوت عورته، أو أشبعت جَوْعَتُه، أو قضيت له حاجة).
وبعث الحسنُ البصريُّ قوماً من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مرُّوا بثابت البناني، فخذوه معكم، فأتوا ثابتاً، فقال: أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال: قولوا له: يا أعمش أما تعلم أنَّ مشيك في حاجةِ أخيك المسلم خير لك مِنْ حجة بعد حَجَّةٍ؟ فرجعوا إلى ثابتٍ، فترك اعتكافه، وذهب معهم.
وخرَّج الإمام أحمد من حديث ابنةٍ لخبَّاب بن الأرت، قالت: خرج خبَّاب في سريَّةٍ، فكان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتعاهدُنا حتى يحلُب عنْزةً لنا في جَفْنَةٍ لنا، فتمتلئ حتّى تفيضَ، فلمَّا قدم خبَّابٌ حلبَها، فعادَ حِلابها إلى ما كان.
وكان أبو بكر الصدِّيق -رضي الله عنه- يحلبُ للحيِّ أغنامهم، فلمَّا استخلف، قالت جاريةٌ منهم: الآن لا يحلُبُها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلتُ فيه عن شيءٍ كنتُ أفعلُه، أو كما قال.