وقال النووي: وأما حديث ابن عباس فمحمول على الأفضل جمعاً بين الأحاديث.
وقال ابن حجر: ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل الأمر في حديث ابن عباس على الندب.
وقال العلامة الشنقيطي عن هذا الجمع: وله وجه من النظر.
القول الثاني: الجمع باختلاف الحال، وذلك بحمل النهي عن رمي جمرة العقبة قبل الشمس على الذكور، وحمل الإذن على النساء.
وممن سلك هذا المسلك النسائي وابن القيم.
أما النسائي فتصرفه في السنن يدل على ذلك، فقد عقد باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس وخرج فيه حديث ابن عباس، ثم أعقبه بباب: الرخصة في ذلك للنساء.
وقال ابن القيم: … ثم تأملنا فإذا أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث، فإنه أمر الصبيان ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي، وأما من قدمه من النساء فرمين قبل طلوع الشمس للعذر والخوف عليهن من مزاحمة الناس وحطمهم.
القول الثالث: ترجيح حديث ابن عمر وحديث أسماء الدالين على الإذن في رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس على حديث ابن عباس الدال على النهي.
وممن سلك هذا المسلك الإمام البخاري وابن خزيمة.
وأما البخاري فقد ساق بأسانيده حديث ابن عباس في النهي، وأعل منها طريقي الحكم عن مقسم، والحسن العرني عن ابن عباس، ثم أردفها بحديثي أسماء وابن عمر ثم ختم بقوله: وحديث هؤلاء أكثر في الرمي قبل طلوع الشمس وأصح.
ورجحه الشيخ عبد الله الفوزان وقال: فالصواب أن من دفع من مزدلفة بعد مغيب القمر من الضعفة والنساء والأطفال أنه يرمي ولو قبل الصبح لأمور ثلاثة:
الأول: أنه ورد في السنة ما يدل على ذلك، ثم ذكر حديث ابن عمر.
الثاني: أنه لو كان رمي هؤلاء لا يجوز قبل الصبح لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة بياناً عاماً.
الثالث: أن تأخير رميهم إلى ما بعد طلوع الشمس مخالف لمقتضى الرفق بهم والحرص على سلامتهم.
• متى يبتدئ رمي جمرة العقبة؟
اختلف العلماء متى يبتدئ وقت رميها على أقوال:
القول الأول: أنه يجوز رميها بعد منتصف الليل من ليلة النحر.
وممن قال به الشافعي، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة. وعطاء وابن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد، وطاوس، والشعبي.
قال ابن قدامة في المغني: وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر، وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي.
أ- لحديث الباب (أَرْسَلَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ اَلنَّحْرِ، فَرَمَتِ اَلْجَمْرَةَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ)
ووجه الدلالة - كما قال الشافعي - وهذا لا يكون إلا وقد رمت قبل الفجر بساعة.
ب-وبحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما (أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلت ساعة، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا، فارتحلنا ومضينا، حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غسلنا؟ قالت: يا بني إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن للظعن).
وفي رواية لأبي داود، وابن خزيمة (قلت: إنا رمينا الجمرة بليل؟ قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي رواية لمالك والنسائي (كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك).