للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ماذا نستفيد من قوله (أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ اِمْرَأً مُسْلِماً)؟

نستفيد أن هذا الفضل خاص بمن أعتق مسلماً.

قال القرطبيّ: فيه ما يدل على أن هذا الفضل العظيم إنما هو في عتق المؤمن، ولا خلاف في جواز عتق الكافر تطوّعًا، فلو كان الكافر أغلى ثمنًا، فرُوي عن مالك: أنه أفضل من المؤمن القليل الثمن؛ تمسكًا بحديث أبي ذر - رضي الله عنه -.

وخالفه في ذلك أكثر أهل العلم؛ نظرًا إلى حرمة المسلم، وإلى ما يحصل منه من المنافع الدينية، كالشهادات، والجهاد، والمعونة على إقامة الدين، وهو الأصح، والله تعالى أعلم.

وقال النووي: أَمَّا التَّقْيِيد بِالرَّقَبَةِ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَة فَيَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفَضْل الْخَاصّ إِنَّمَا هُوَ فِي عِتْق الْمُؤْمِنَة. وَأَمَّا غَيْر الْمُؤْمِنَة فَفِيهِ أَيْضًا فَضْل بِلَا خِلَاف وَلَكِنْ دُون فَضْل الْمُؤْمِنَة، وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَط فِي عِتْق كَفَّارَة الْقَتْل كَوْنهَا مُؤْمِنَة، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ مَالِك: أَنَّ الْأَعْلَى ثَمَنًا أَفْضَل وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. وَخَالَفَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَابه وَغَيْرهمْ قَالَ: وَهَذَا أَصَحّ.

ماذا نستفيد من قوله (اِسْتَنْقَذ اَللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّار)؟

نستفيد أن إعتاق كامل الأعضاء أفضل من عتق ناقصها، ليحصل الاستيعاب المستفاد من قوله -صلى الله عليه وسلم- (استنقذ الله من كل عضو منه … ).

قال النووي: فِيهِ اِسْتِحْبَاب عِتْق كَامِل الْأَعْضَاء فَلَا يَكُون خَصِيًّا وَلَا فَاقِد غَيْره مِنْ الْأَعْضَاء وَفِي الْخَصِيّ وَغَيْره أَيْضًا الْفَضْل الْعَظِيم لَكِنْ الْكَامِل أَوْلَى وَأَفْضَله أَعْلَاهُ ثَمَنًا وَأَنْفَسه.

وقال ابن حجر: إن في قوله: "أعتق الله بكل عضو منه عضوًا" إشارةً إلى أنه لا ينبغي أن يكون في الرقبة نقصان؛ ليحصل الاستيعاب.

[أيهما أفضل بالعتق الذكر أم الأنثى؟]

الحديث دليل على أن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى، لأنه جعل عتق الأنثى على النصف من عتق الذكر.

فالرجل إذا اعتق الذكر أو اعتق امرأتين كان فكاكه من النار.

وذلك لأن جنس الرجال أفضل من جنس النساء.

ولأن عتق الذكر فيه من المنافع ما ليس في عتق الأنثى من الجهاد وتولي القضاء وتولي الإمامة ونحو هذا.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيّمَا أَفْضَل عِتْق الْإِنَاث أَمْ الذُّكُور؟

فَقَالَ بَعْضهمْ: الْإِنَاث أَفْضَل لِأَنَّهَا إِذَا عَتَقَتْ كَانَ وَلَدهَا حُرًّا سَوَاء تَزَوَّجَهَا حُرّ أَوْ عَبْد.

وَقَالَ آخَرُونَ: عِتْق الذُّكُور أَفْضَل لِهَذَا الْحَدِيث وَلِمَا فِي الذِّكْر مِنْ الْمَعَانِي الْعَامَّة الْمَنْفَعَة الَّتِي لَا تُوجَد فِي الْإِنَاث مِنْ الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْجِهَاد وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَخُصّ بِالرِّجَالِ إِمَّا شَرْعًا وَإِمَّا عَادَة، وَلِأَنَّ مِنْ الْإِمَاء مَنْ لَا تَرْغَب فِي الْعِتْق وَتَضِيع بِهِ بِخِلَافِ الْعَبِيد. وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّحِيح. (شرح مسلم)

<<  <  ج: ص:  >  >>