• ماذا أجاب القائلون بعدم الوجوب العيني عن حديث الباب (لقد هممت أن آمر … )؟
أجابوا بأجوبة:
قيل: أن الخبر ورد مورد التهديد والزجر، وحقيقته غير واردة.
وهذا ضعيف.
وقيل: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم.
وتعقب ذلك ابن دقيق العيد بقوله: وهذا ضعيف، لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه.
وقيل: المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأساً لا مجرد الجماعة.
وهو ضعيف، فقد جاء في رواية مسلم (لا يشهدون الصلاة) أي لا يحضرون.
وعند ابن ماجه: (لينتهين أقوام عن تركهم الجماعات أو لأحرقنّ بيوتهم).
وقيل: أن الحديث ورد في حق المنافقين.
وهذا ضعيف، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعاقب المنافقين على نفاقهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- معرضاً عنهم وعن عقوبتهم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).
لكن الحافظ ابن حجر رجح هذا القول، وقال: والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين، لقوله في الحديث: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر) ولقوله -صلى الله عليه وسلم- (لو يعلم أحدهم … ) لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم- في رواية (لا يشهدون العشاء الجميع) أي الجماعة، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أسامة: (لا يشهدون الجماعة) وأصرح من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود: (ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة) فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته وإنما يصلي في المسجد رياء وسمعة.
• اختلف القائلون بوجوب الجماعة، هل تصلى جماعة في أي مكان أم لا بد من المسجد؟ على قولين اذكرهما:
القول الأول: يجوز فعلها في غير المسجد.
وهذا قول مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد.
قال ابن قدامة: ويجوز فعلها في البيت والصحراء.
لحديث جابر مرفوعاً (أعطيت خمساً لم يعطهن … ذكر منها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) متفق عليه.
القول الثاني: لا يجوز فعلها إلا في المسجد.
ورجح هذا القول ابن القيم.