بَابُ صَوْمُ اَلتَّطَوُّعِ وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ
٦٧٩ - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ اَلْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ. قَالَ: " يُكَفِّرُ اَلسَّنَةَ اَلْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ " وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. قَالَ: " يُكَفِّرُ اَلسَّنَةَ اَلْمَاضِيَةَ " وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ اَلِاثْنَيْنِ، قَالَ: " ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَبُعِثْتُ فِيهِ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(يَوْمِ عَرَفَةَ) هو اليوم التاسع من ذي الحجة.
• ما حكم صوم يوم عرفة لغير الحاج؟
سنة.
لحديث الباب (يُكَفِّرُ اَلسَّنَةَ اَلْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).
• ما حكم صومه للحاج؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يستحب فطره.
وهذا قول مالك والشافعي وأحمد.
أ-عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ (أَنَّ نَاساً تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِى صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ) متفق عليه.
ب- وعَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ (إِنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِى صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ مَيْمُونَةُ بِحِلَابِ اللَّبَنِ وَهُوَ وَاقِفٌ فِى الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْه) متفق عليه.
وجه الاستدلال: يُستفاد من الحديثين استحبابُ فطر يوم عرفة للحجاج تأسِّيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الخطابي - شارحًا لحديث ميمونة رضي الله عنها - وفيه: الاستحباب للإفطار بعرفة لمن شهدها، وإنما جاء الترغيب لمن غاب عنها.
وقال ابن القيم - بعد أن أورد حديث أم الفضل في فطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة بعرفة وغيره من الآثار في ذلك -: وصحَّ عنه: صيامه يكفر سنتين، فالصواب أنّ الأفضل لأهل الآفاق - أي الذين لم يَحُجُّوا - صومه، ولأهل عرفة فطره، لاختياره -صلى الله عليه وسلم- ذلك لنفسه، وعمل خلفائه بعده بالفطر.
تنبيه: في الحديث الأول أنّ أم الفضل هي التي أرسلت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدح اللبن، وفي هذا الحديث أنّ ميمونة هي التي أرسلته!!
والجواب على ذلك - كما قال ابن القيم في تهذيب السنن، فقيل: يحتمل أن تكون ميمونة أرسلت، وأم الفضل أرسلت، كلٌّ منهما بقدَح، ويحتمل أن يكون مجتمعتين فإنها أختها، فاتفقتا على الإرسال بقدح واحد، فينسب إلى هذه وإلى هذه.
ج-وقال ابن عمر: (حججت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يصمه - يعني يوم عرفة - ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه). رواه الترمذي
وجه الاستدلال: في الحديث بيان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين في تركهم صيام يوم عرفة بعرفة.
د-أنّ يوم عرفة يوم عبادة وتضرُّع ودعاء، فيستحب للحاج أن يفطر ذلك اليوم ليقوى على التعبُّد والذكر والدعاء.
قال ابن قدامة: لأنّ الصوم يُضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المعظَّم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يُقصَد من كل فجٍّ عميق، رجاء فضل الله فيه، وإجابة دعائه به؛ فكان تركه أفضل.