٥٧٨ - وَعَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ (كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا سُوِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْرُهُ، وَانْصَرَفَ اَلنَّاسُ عَنْهُ، أَنْ يُقَالَ عِنْدَ قَبْرِهِ: يَا فُلَانُ! قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ. ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، يَا فُلَانُ! قُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ، وَنَبِيِّ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا.
٥٧٩ - وَلِلطَّبَرَانِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا مُطَوَّلاً.
===
• ما صحة أحاديث الباب؟
حديث ضمرة مقطوع، ومعنى مقطوع: أي أنه من قول التابعي، وقول التابعي ليس بحجة.
وحديث أبي أمامة رواه الطبراني، حيث قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان، فإنه يسمعه ولا يجيبه، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يستوي قاعداً، ثم يقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً … ). هذا الحديث لا يصح.
قال النووي: إسناده ضعيف، قال ابن الصلاح: ليس إسناده بالقائم.
• ما حكم تلقين الميت بعد دفنه؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يستحب ذلك.
وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة.
لحديث الباب (أبي أمامة).
قال النووي: فهذا الحديث وان كان ضعيفاً فيستأنس به، وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم علي المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد أعتضد بشواهد من الأحاديث كحديث (واسألوا له التثبيت) ووصية عمرو بن العاص وهما صحيحان سبق بيانهما قريباً، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدى به وإلى الآن، وهذا التلقين إنما هو في حق المكلف الميت أما الصبي فلا يلقن.
القول الثاني: أن تلقين الميت في قبره جائز وليس بمستحب.
واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، ووصفه بأنه أعدل الأقوال.
ولعل مستند هذا القول، أن حديث التلقين بعد الدفن لم يثبت، ولم يرد النهي عنه، فيكون مباحاً لدخوله في عموم الدعاء بالثبات المأمور به.
القول الثالث: أنه مكروه وبدعة.
وهو اختيار ابن القيم في الهدي.
قال ابن القيم: ولم يكن [أي النبي] يجلس يقرأ عند القبر، ولا يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم.
ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمنا بعد الدفن أن ندعو له بالمغفرة والثبات، ولم يعلمنا التلقين.
ولا يعرف عن أحد من الصحابة فعل التلقين.
• ما الجواب عن أدلة أصحاب القول الأول؟
أولاً: أن الحديث الوارد حديث ضعيف، فهو لا يصح، وإذا كان كذلك فلا يصح الاعتماد عليه أو العمل به مطلقاً، فقول النووي أو غيره بأن الحديث الضعيف يستأنس به، وذلك في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، مردود بأن هذا الحديث ضعيف، وضعفه شديد، بل هو موضوع في نظر بعض الأئمة.
ثانياً: وأما جعل حديث (واسألوا له التثبيت) شاهداً لحديث التلقين، فهذا غير صحيح، لأن حديث (اسألوا له التثبيت) ليس فيه إلا الدعاء للميت، وكذلك أثر عمرو بن العاص وأمره بالوقوف عند قبره مقدار ما ينحر الجزور لا شهادة فيه على التلقين.
ثالثاً: وأما قولهم: إن هذا العمل عليه الناس أو عليه عمل أهل الشام، فهذا لا حجة فيه، بل قول الإمام أحمد: ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام، دليل على أن المسألة مبتدعة، وأنها لم تكن في القرون المفضلة. [كتاب أحكام المقابر - اختيارات ابن تيمية الفقهية]. [١٦/ ٥/ ١٤٣٣ هـ].