١٥٤٧ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى اَلْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (يَا عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! أَلَّا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ اَلْجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
زَادَ النَّسَائِيُّ (وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ).
===
(يَا عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ قَيْسٍ) اسم أبي موسى الأشعري.
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
نستفيد فضل هذه الكلمة: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنها كنز من كنوز الجنة.
وعند التّرْمِذِيّ (أَنّهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنّةِ).
قال ابن القيم: وَأَمّا تَأْثِيرُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِاَللّهِ فِي دَفْعِ هَذَا الدّاءِ فَلِمَا فِيهَا مِنْ كَمَالِ التّفْوِيضِ وَالتّبَرّي مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوّةِ إلّا بِهِ وَتَسْلِيمِ الْأَمْرِ كُلّهِ لَهُ وَعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَعُمُومُ ذَلِكَ لِكُلّ تَحَوّلٍ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيّ وَالسّفْلِيّ وَالْقُوّةِ عَلَى ذَلِكَ التّحَوّلِ وَأَنّ ذَلِكَ كُلّهُ بِاَللّهِ وَحْدَهُ فَلَا يَقُومُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ شَيْءٌ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ إنّهُ مَا يَنْزِلُ مَلَكٌ مِنْ السّمَاءِ وَلَا يَصْعَدُ إلَيْهَا إلّا بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِاَللّهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي طَرْدِ الشّيْطَانِ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قال ابن القيم: هذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمّل المشاق، والدخول على الملوك ومن يُخاف،
ركوب الأهوال.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: هذه الكلمة بها تحمل الأثقال، وتكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال.
[ما معنى هذه الكلمة؟]
معناها: اعتراف العبد بعجزه عن القيام بأي أمر إلا بتوفيق الله له وتيسيره، وأما حوله ونشاطه وقوته فمهما بلغت من العِظم فإنها لا تغني عن العبد شيئا إلا بعون الله الذي علا وارتفع على سائر المخلوقات، العظيم الذي لا يعظم معه شيء، فكل قوي ضعيف في جنب قوة الله، وكل عظيم صغير ضعيف في جنب عظمته سبحانه.
وتقال هذه الجملة إذا دهم الإنسان أمر عظيم لا يستطيعه، أو يصعب عليه القيام به.
قال النووي: قالَ أَهْل اللُّغَة: (الْحَوْل) الْحَرَكَة وَالْحِيلَة، أَيْ: لَا حَرَكَة وَلَا اِسْتِطَاعَة وَلَا حِيلَة إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا حَوْل فِي دَفْع شَرٍّ، وَلَا قُوَّة فِي تَحْصِيل خَيْر إِلَّا بِاَللَّهِ، وَقِيلَ: لَا حَوْل عَنْ مَعْصِيَة اللَّه إِلَّا بِعِصْمَتِهِ، وَلَا قُوَّة عَلَى طَاعَته إِلَّا بِمَعُونَتِهِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَكُلّه مُتَقَارِب.
وقال ابن رجب رحمه الله: فإنّ المعنى: لا تحوّل للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلاّ بالله، وهذه كلمة عظيمة وهي كنز من كنوز الجنّة.
ما المراد بالكنز في قوله (أَلَّا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ)؟
قال النووي: وَمَعْنَى الْكَنْز هُنَا: أَنَّهُ ثَوَاب مُدَّخَر فِي الْجَنَّة، وَهُوَ ثَوَاب نَفِيس، كَمَا أَنَّ الْكَنْز أَنْفَس أَمْوَالكُم.