للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأمَّا في الأهل فبِوِقَايَتِهم مِنْ الفتَن وحِمايَتِهم من البَلَايَا والمحن، وأمَّا في المال فبِحفظِه مِمَّا يُتْلِفُه مِنْ غَرَقٍ أو حَرْقٍ أو سَرِقَةٍ أو نحو ذلك، فجَمَع في ذلك سؤالَ الله الحفظَ من جَميع العَوارِض المُؤْذِيَة والأخطار المُضِرَّة.

وَقَدْ كَثُرَتْ الْأَحَادِيث فِي الْأَمْر بِسُؤَالِ الْعَافِيَة، وَهِيَ مِنْ الْأَلْفَاظ الْعَامَّة الْمُتَنَاوِلَة لِدَفْعِ جَمِيع الْمَكْرُوهَات فِي الْبَدَن وَالْبَاطِن، فِي الدِّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك الْعَافِيَة الْعَامَّة لِي وَلِأَحِبَّائِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ رَجُلاً إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ أن يقول: اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ) رواه مسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) رواه الترمذي.

عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: "سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ" فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي: "يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) رواه الترمذي.

قال العلامة "المباركفوري: (سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ) فِي أَمْرِهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلْعَبَّاسِ بِالدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ بَعْدَ تَكْرِيرِ الْعَبَّاسِ سُؤَالَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ شَيْئًا يَسْأَلُ اللَّهَ بِهِ دَلِيلٌ جَلِيٌّ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْعَافِيَةِ أَنَّهَا دِفَاعُ اللَّهِ عَنْ الْعَبْدِ، فَالدَّاعِي بِهَا قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ دِفَاعَهُ عَنْ كُلِّ مَا يَنْوِيهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُنْزِلُ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ وَيَرَى لَهُ مِنْ الْحَقِّ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ فَفِي تَخْصِيصِهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَقَصْرِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ تَحْرِيكٌ لِهِمَمِ الرَّاغِبِينَ عَلَى مُلَازَمَتِهِ وَأَنْ يَجْعَلُوهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيُسْتَدْفَعُونَ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُهِمُّهُمْ، ثُمَّ كَلَّمَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: (سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قَدْ صَارَ عُدَّةً لِدَفْعِ كُلِّ ضُرٍّ وَجَلْبِ كُلِّ خَيْرٍ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا. قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي عِدَّةِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ: لَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- دُعَاؤُهُ بِالْعَافِيَةِ وَوَرَدَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- لَفْظًا وَمَعْنًى مِنْ نَحْوٍ مِنْ خَمْسِينَ طَرِيقاً.

ما معنى (اَللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي)؟

أي: عيوبِي وخَلَلِي وتقصيري وكلُّ ما يُسوءُنِي كشفه، ويدخل في ذلك الحفظ من انكشاف العورة، وهي في الرَّجل ما بين السُّرَّة إلى الرُّكبة، وفي المرأة جَميع بدنها، وحَريٌّ بالمرأة أن تُحافظ على هذا الدُّعاء، ولا سيما في هذا الزمان الذي كَثُرَ فيه في أنحاء العالم تَهَتُّك النساء وعدَمُ عنايتِهِنَّ بالسَّتْرِ والحجاب

<<  <  ج: ص:  >  >>