للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثاني: أنه يصلى عليه.

وهذا مذهب الحنفية.

أ- لحديث عقبة بن عامر (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوماً فصلى على أهل أحُد صلاته على الميت، … ) رواه البخاري.

وفي رواية (صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات … ) رواه البخاري.

قال العيني رحمه الله: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ صَلَّى عَلَى أَهْل أُحُد بَعْد مُدَّة، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّهِيد يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ حَتْف أَنْفه، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَأَوَّلَ الْخَبَر فِي تَرْك الصَّلَاة عَلَيْهِمْ يَوْم أُحُد عَلَى مَعْنَى اِشْتِغَاله عَنْهُمْ وَقِلَّة فَرَاغه لِذَلِكَ، وَكَانَ يَوْمًا صَعْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَعُذِرُوا بِتَرْكِ الصَّلَاة عَلَيْهِم. (عمدة القارئ).

ب- وجاء (أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على حمزة وكبر عليه تسعاً) رجاله ثقات وصححه الألباني.

قال أصحاب القول الأول عن حديث عقبة: أجاب الجمهور عن حديث عقبة بن عامر السابق بعدة أجوبة:

الأول: أن المقصود بصلاته -صلى الله عليه وسلم- على شهداء أحد، أي: أنه دعا لهم.

الثاني: أن هذا خاص بشهداء أحد، بدليل أنه لم ينقل أنه صلى على غيرهم من الشهداء.

الثالث: أن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام.

قال ابن حجر رحمه الله: فَإِنَّ صَلَاته عَلَيْهِمْ تَحْتَمِل أُمُورًا أُخَر: مِنْهَا أَنْ تَكُون مِنْ خَصَائِصه، وَمِنْهَا أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الدُّعَاء كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ هِيَ وَاقِعَة عَيْن لَا عُمُوم فِيهَا، فَكَيْفَ يَنْتَهِض الِاحْتِجَاج بِهَا لِدَفْعِ حُكْم قَدْ تَقَرَّرَ؟. (الفتح).

وقال الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي: وَأَمَّا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَفِيهَا جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الدُّعَاءُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْهُودَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ دَعَا لَهُمْ بِدُعَاءِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ قَبْلَ دَفْنِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِمْ فِي الْقُبُورِ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ مُطْلَقًا، وَالْقَائِلُونَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ يُقَيِّدُونَهُ بِمُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لَعَلَّهَا فَائِتَةٌ هُنَا، وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ. (انتهى من " طرح التثريب).

قال النووي: وأما حديث عقبة فأجاب أصحابنا وغيرهم: بأن المراد من الصلاة هنا الدعاء (وقوله) صلاته على الميت أي دعا لهم كدعاء صلاة الميت، وهذا التأويل لابد منه، وليس المراد صلاة الجنازة المعروفة بالإجماع، لأنه -صلى الله عليه وسلم- بما فعله عند موته بعد دفنهم بثمان سنين ولو كان صلاة الجنازة المعروفة لما أخرها ثمان سنين.

واختار ابن القيم أن الإمام مخير إن شاء صلى وإن شاء ترك، فقال: وَالصَّوَاب فِي الْمَسْأَلَة: أَنَّهُ مُخَيَّر بَيْن الصَّلَاة عَلَيْهِمْ وَتَرْكهَا لِمَجِيءِ الْآثَار بِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَات عَنْ الْإِمَام أَحْمَد، وَهِيَ الْأَلْيَق بِأُصُولِهِ وَمَذْهَبه.

• ما الحكمة من عدم الصلاة على الشهيد؟

قال الشيخ ابن عثيمين: (الشهيد) لا يصلي عليه أحدٌ من الناس لا الإمام ولا غير الإمام؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- (لم يصلِّ على شهداء أحد)، ولأن الحكمة من الصلاة الشفاعة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يُشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) والشهيد يُكفر عنه كل شيء إلا الدَّيْن؛ لأن الدين لا يسقط بالشهادة بل يبقى في ذمة الميت في تركته إن خَلَّف تركة، وإلا فإنه إذا أخذه يريد أداءه أدى الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>