١٤٤٣ - وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ، حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
نستفيد استحباب لعق الأصابع مما علق بها من الطعام قبل مسحها بالمنديل.
قال القرطبي: .... هذا كله يدلّ على استحباب لعق الأصابع إذا تعلَّق بها شيء من الطعام، كما قدَّمناه. لكنه في آخر الطعام، كما نص عليه، لا في أثنائه؛ لأنَّه يمس بأصابعه بزاق في فيه إذا لعق أصابعه ثم يعيدها، فيصير كأنه يبصق في الطعام، وذلك مستقذر، مستقبح.
[ما الحكمة من ذلك؟]
جاء في حديث جابر بيان العلة:
عن جابر. (أنَّ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ: ((إنَّكُمْ لا تَدْرونَ في أَيِّها البَرَكَةُ)) رواه مسلم.
وفي رواية لَه (إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا، فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، وَلْيَأكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أصَابعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَة).
قال الحافظ: قال بن دقيق العيد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات (فإنه لا يدري في أي طعامه البركة) وقد يعلل بأن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق لكن إذا صح الحديث بالتعليل لم يعدل عنه.
قلت: الحديث صحيح أخرجه مسلم في آخر حديث جابر ولفظه من حديث جابر (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما اصابها من أذى وليأكلها ولا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها فإنه لا يدري في أي طعامه البركة).
زاد فيه النسائي من هذا الوجه (ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها).
ولأحمد من حديث ابن عمر نحوه بسند صحيح وللطبراني من حديث أبي سعيد نحوه بلفظ (فإنه لا يدري في أي طعامه يبارك له)
ولمسلم نحوه من حديث أنس ومن حديث أبي هريرة أيضاً والعلة المذكورة لا تمنع ما ذكره الشيخ فقد يكون للحكم علتان فأكثر والتنصيص على واحدة لا ينفي غيرها. (الفتح)
قال النووي: وَقَوْله -صلى الله عليه وسلم- (لَا تَدْرُونَ فِي أَيّه الْبَرَكَة) مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَم أَنَّ الطَّعَام الَّذِي يَحْضُرهُ الْإِنْسَان فِيهِ بَرَكَة وَلَا يَدْرِي أَنَّ تِلْكَ الْبَرَكَة فِيمَا أَكَلَهُ أَوْ فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَصَابِعه أَوْ فِي مَا بَقِيَ فِي أَسْفَل الْقَصْعَة أَوْ فِي اللُّقْمَة السَّاقِطَة، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظ عَلَى هَذَا كُلّه؛ لِتَحْصُل الْبَرَكَة، وَأَصْل الْبَرَكَة الزِّيَادَة وَثُبُوت الْخَيْر وَالْإِمْتَاع بِهِ، وَالْمُرَاد هُنَا - وَاللَّهُ أَعْلَم - مَا يَحْصُل بِهِ التَّغْذِيَة وَتَسْلَم عَاقِبَته مِنْ أَذًى، وَيُقَوِّي عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى وَغَيْر ذَلِكَ.
فائدة:
من السنة أن يأكل بثلاث أصابع.
عن كَعْب بْن مَالِكٍ. قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا) رواه مسلم.
وهذا محمول على الطعام الذي تكفي فيه ثلاثة أصابع، كالتمر والعنب.
قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ الشَّرَهِ وَسُوءِ الْأَدَبِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِذَلِكَ لِجَمْعِهِ اللُّقْمَةَ وَإِمْسَاكِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْأَكْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، لِخِفَّةِ الطَّعَامِ وَعَدَمِ تَلْفِيقِهِ بِالثَّلَاثِ يَدْعَمُهُ بِالرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ.