١٤٧٠ - وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: - كُنْ فِي اَلدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ - وَكَانَ اِبْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ اَلصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ اَلْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِسَقَمِك، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِي.
===
(أخَذَ) أمسك.
(بِمَنْكِبِي) المنكب: مجتمع رأس العضد والكتف.
(كأنك غريب) أي: مثل الغريب، والغريب هو البعيد عن وطنه.
(أو عابر سبيل): قيل: أو للتخير، وقيل بمعنى: بل.
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
نستفيد الحث على الزهد في الدنيا وقصر الأمل.
والزهد في الدنيا: هو ترك مالا ينفع في الآخرة والورع: ترك ما تخاف ضرره في الآخرة.
وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها.
قال الإمام أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه: الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام، والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص، والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين.
قال ابن القيم: أفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ .... (الفوائد).
[ما معنى الحديث؟]
قال النووي في شرح الحديث: معناه: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بماء يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله
ففي هذا الحديث التزهيد في الدنيا، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذها وطناً يركن إليها، وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر.
اذكر كيف زهّد الله في الدنيا وبيّن خستها؟
زهد الله في الدنيا وبيّن خستها وحقارتها:
فقال تعالى (ما عندَكم يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ).
وقال تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ).
وقال تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وقال تعالى (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً).
وقال تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
وقال تعالى (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
وقال تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا).