١٤٦٣ - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ اَلْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ).
===
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
نستفيد أنه لا ينبغي للمسلم أن يستصغر فعل معروف مهما صغر، ولو أن يلقى أخاه بوجه مبتسم.
لأن الإنسان لا يدري أي أعماله أخلص لله تعالى، فإن العمل يعظم بالإخلاص لله تعالى والإحسان.
وقد ورددت النصوص من القرآن والسنة تحض على فعل الخير وإن كان هذا الخير قليلاً.
كما قال تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
قال السعدي رحمه الله: وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلاً، والترهيب من فعل الشر ولو حقيراً.
وحديث الباب (لا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْق).
قال النووي رحمه الله: فيهِ الْحَثّ عَلَى فَضْل الْمَعْرُوف، وَمَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، حَتَّى طَلَاقَة الْوَجْه عِنْد اللِّقَاء.
قال ابن تيمية: وفي الصحيحين (إن امرأة بغيا رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له موقها فسقته به فغفر لها) وفي لفظ في الصحيحين (أنها كانت بغياً من بغايا بني إسرائيل).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (بينما رجل يمشي في طريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له).
فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يغفر لها.
وكذلك هذا الذي نحَّى غصن الشوك عن الطريق، فعله إذ ذاك بإيمان خالص وإخلاص قائم بقلبه، فغفر له بذلك. فإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، وإن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحداً وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، وليس كل من نحَّى غصن شوك عن الطريق يغفر له.
والمقصود أن فضل الأعمال وثوابها ليس لمجرد صورها الظاهرة، بل لحقائقها التي في القلوب، والناس يتفاضلون في ذلك تفاضلاً عظيماً .... (منهاج السنة).
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة).
وسبب جمع صحيح البخاري أن الإمام البخاري لما كان في شبابه جلس مع أحد شيوخه فقال الشيخ للتلاميذ: لو أن أحدا جمع الحديث الصحيح فتحركت هذه العبارة اليسيرة بقلب البخاري فأخرج لنا الخير الكثير.
ومحدِّث الشام البرزالي أطلَقَ كلمةً عابرة لتلميذه الذهبي، فقال له: إنَّ خطَّك يُشبِه خَطَّ المحدِّثين، ففعَلتْ هذه الكلمة فِعلَها في نفْس الإمام الذهبي، فأقبَلَ على طلَب الحديث، حتى عُدَّ رأسًا من رؤوس المحدِّثين.