للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٤٣٠ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (اَلْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ اَلنَّسَبِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) رَوَاهُ اَلشَّافِعِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِم وَأَصْلُهُ فِي "اَلصَّحِيحَيْنِ" بِغَيْرِ هَذَا اَللَّفْظ.

===

(اَلْوَلَاءُ) المراد به هنا ولاء العتاقة،

ما معنى قوله (لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ اَلنَّسَبِ)؟

وقال الزرقاني (في شرح الموطأ) الوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» قَالَ الْأُبِّيُّ: هَذَا مِنْهُ -صلى الله عليه وسلم- تَعْرِيفٌ لِحَقِيقَةِ الْوَلَاءِ شَرْعًا، وَلَا تَجِدُ تَعْرِيفًا أَتَمَّ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْعَتِيقِ نِسْبَةً تُشْبِهُ نِسْبَةَ النَّسَبِ وَلَيْسَتْ بِهِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْعَبْدَ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ كَالْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ وَالْمُعْتِقُ صَيَّرَهُ مَوْجُودًا، كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَعْدُومًا فَتَسَبَّبَ الْأَبُ فِي وُجُودِهِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَى: "الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ" أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى النَّسَبِ حُكْمًا كَمَا أَنَّ الْأَبَ أَخْرَجَهُ بِالنُّطْفَةِ إِلَى الْوُجُودِ حِسًّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لَا يَقْضِي وَلَا يَلِي وَلَا يَشْهَدُ، فَأَخْرَجَهُ سَيِّدُهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى وُجُودِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ عَدَمِهَا، فَلَمَّا شَابَهَ حُكْمَ النِّسَبِ أُنِيطَ بِالْعِتْقِ فَلِذَا جَاءَ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَأُلْحِقَ بِرُتْبَةِ النَّسَبِ، فَنَهَى عَنْ بَيْعِهِ وَعَنْ

هِبَتِه.

وقال الشيخ ابن جبرين: .... والمراد به أن الرجل إذا كان يملك عبداً فأعتقه، فذلك العبد العتيق يصير مولىً لذلك المعتق، وكأنه أحد أسرته وأحد أقاربه، ينتمي إلى تلك القبيلة التي هي قبيلة المعتق، وينتسب إليهم، ويكون كأحد أفرادهم، فلا يجوز أن تباع قرابته ولا أن توهب ولا أن تورث، بل تصير منة المعتق عليه أنه يلحق بنسبه ويكون كأحد أفراد النسب، هذا المراد بالولاء.

ولهذا شبه بالنسب: (لحمة كلحمة النسب) والنسب لا يجوز أن يباع ولا يجوز أن يوهب، فلو أن إنساناً مثلاً من قبيلة مشهورة أراد أن يخرج عن هذه القبيلة ويقول: أنا أبرأ من هذه القبيلة، وأنا أنتسب إلى قبيلة أخرى، كما لو كان مثلاً من قبيلة تميم وأراد أن ينتسب إلى غطفان، هل يجوز له ذلك؟ لا يجوز، هل يجوز لبني تميم أن يبيعوا واحداً منهم، ويقولون: نبيعكم يا غطفان، نبيعكم يا بني حنظلة، نبيعكم يا رباب هذا الرجل الذي كان منا ويكون واحداً منكم وينتسب إليكم؟ نقول: هذا أيضاً لا يجوز.

فإذا لم يجز بيع النسب فكذلك بيع الولاء.

يقول: (نهى عن بين الولاء وهبته) البيع: أخذ العوض على المبيع، والهبة: الهدية بلا عوض أو بلا عوض مسمى.

بمعنى أنه لا يجوز للمعتق أن يقول لإنسان أجنبي: بعتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته بكذا وكذا، أو أهديتك قرابتي منه أو ولايتي منه، كما لا يجوز أن يبيع أولاده، فلا يجوز أن يقول: بعتك ولدي هذا، أو قرابتي من هذا الولد، أو أهديتك قرابتي من هذا الولد، أو قرابتي من هذا الأخ أو من هذا العم، أو نحو ذلك .... (شرح عمدة الأحكام)

[ماذا نستفيد من الحديث؟]

تحريم بيع الولاء وعن هبته، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شبهه بالنسب، والنسب لا ينتقل بعوض ولا بغير عوض.

وقد تقدم ذلك في كتاب البيوع: في حديث ابن عمر (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>