(مَا أُنْهِرَ اَلدَّمُ) أي: أساله، وصبه بكثرة، ووزنه أفعل، منْ النهر، شُبِّهَ خُروج الدم بجري الماء فِي النهر، والذي ينهر الدم ما له نفوذ في البدن، وهو المحدد كالسهم والحديد والخشب الذي له حد والزجاج.
(وَذُكِرَ اِسْمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) كذا هو عند البخاريّ فِي "الذبائح"، وعند مسلم أيضًا بحذف قوله (عليه) قَالَ الحافظ: وثبتت هذه اللفظة فِي هَذَا الْحَدِيث عند البخاريّ، فِي (الشركة) وكلام النوويّ فِي "شرح مسلم" يوهم أنها ليست فِي البخاريّ، إذ قَالَ: هكذا هو فِي النسخ كلها -يعني منْ مسلم- وفيه محذوف: أي ذُكر اسم الله عليه، أو معه، ووقع فِي رواية أبي داود وغيره (وذكر اسم الله عليه) انتهى، فكأنه لما لم يرها فِي "الذبائح" منْ البخاريّ أيضًا، عزاها لأبي داود، إذ لو استحضرها منْ البخاريّ، ما عدل عن التصريح بذكرها فيه.
(فَكُلْ لَيْسَ اَلسِّنَّ وَالظُّفْرَ) أي: ليس السنّ والظفر مباحًا، أو مجزئًا، وفي رواية:(غير السنّ، والظفر) وفي رواية: (إلا سنًّا، أو ظفراً).
(أَمَّا اَلسِّنُّ; فَعَظْمٌ) وكل عظم لا يحل الذبح به.
قال في الفتح: وَقَالَ النوويّ: معنى الْحَدِيث: لا تذبحوا بالعظام، فإنها تنجس بالدم، وَقَدْ نهيتكم عن تنجيسها؛ لأنها زاد إخوانكم منْ الجن. انتهى. وهو محتمل، ولا يقال: كَانَ يمكن تطهيرها بعد الذبح بها؛ لأن الاستنجاء بها كذلك، وَقَدْ تقرر أنه لا يجزئ. وَقَالَ ابن الجوزي فِي "المشكل": هَذَا يدل عَلَى أن الذبح بالعظم، كَانَ معهودا عندهم، أنه لا يجزئ، وقررهم الشارع عَلَى ذلك، وأشار إليه هنا. وأخرج الطبراني فِي "الأوسط" منْ حديث حذيفة، رفعه (اذبحوا بكلّ شيء فرى الأوداج، ما خلا السنّ والظفر)، وفي سنده عبد الله بن خراش، مختلفٌ فيه، وله شاهد منْ حديث أبي أُمامة نحوه. قاله فِي (الفتح).
(وَأَمَّا اَلظُّفُرُ: فَمُدَى اَلْحَبَشِ) أي: وهم كفار، وَقَدْ نُهيتم عن التشبه بهم. قاله ابن الصلاح، وتبعه النوويّ. وقيل: نهى عنهما؛ لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان، ولا يقع به غالباً إلا الخنق، الذي ليس هو عَلَى صورة الذبح، وَقَدْ قالوا: إن الحبشة تُدمي مذابح الشاة بالظفر، حَتَّى تُزهق نفسها خَنْقًا.
واعترض عَلَى التعليل الأول، بأنه لو كَانَ كذلك؛ لامتنع الذبح بالسكين، وسائر ما يَذبح به الكفار.
وأجيب، بأن الذبح بالسكين، هو الأصل، وأما ما يلتحق بها، فهو الذي يعتبر فيه التشبّه؛ لضعفها، ومن ثَمَّ كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وشبهها.