١٣٨٨ - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُول (لا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَانُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
===
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
تحريم أن يقضي القاضي وهو غضبان.
لحديث الباب.
وَفِي رِوَايَةٍ (لا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ).
وقد اختلف في النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟ والراجح أنه للتحريم.
قال في المغني: لا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه في أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان.
ما الحكم لو حكم القاضي وهو غضبان وأصاب الحق، فهل ينفذ حكمه أم لا؟
لو أن القاضي خالف فحكم وهو في حال غضب ونحوه، وأصاب الحق، فإنه ينفذ الحكم.
وهذا قول الجمهور.
قال النووي في حديث اللقطة: فيه جواز الفتوى في حال الغضب، وكذلك الحكم، وينفذ ولكنه مع الكراهة في حقنا ولا يكره في حقه -صلى الله عليه وسلم- لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف على غيره.
وذهب بعض العلماء: إلى أنه لا ينفذ قضاؤه.
لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
والراجح قول الجمهور.
فإن قال قائل: كيف ينفذ وهو محرم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد، أفليست القاعدة أن مثل هذا يوجب بطلان الحكم، كما لو عقد على امرأة عقداً محرماً فإن العقد يبطل؟
فالجواب: أن يقال: إنه إنما نهي عن ذلك خوفاً من مخالفة الصواب، فإذا وقعت الإصابة فهذا هو المطلوب، إذاً هنا نقول: هذا لم يخرج عن القاعدة، وهي أن الشيء المحرم لا ينفذ ولا يصح؛ لأن العلة التي من أجلها حرم انتفت، حيث إنه أصاب الصواب، فإن لم يصب الحق فإنه لا ينفذ؛ لأنه على غير حكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- .... (الشرح الممتع)
[ما الحكمة من النهي؟]
لأن الغضب يمنع من تصور المسألة أولاً ثم تطبيق الحكم الشرعي عليها.
قال ابن دقيق العيد: فيه النهي عن الحكم حالة الغضب، لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه.
وهل مثله الحاقن أو شديد الجوع؟
نعم، مثله الحاقن أو في شدة جوع أو عطش أو همٍ أو ملل.
قال ابن دقيق: وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقاً يشغله عن استيفاء النظر.
وقال ابن قدامة: وفي معنى الغضب كلما شغل فكره من الجوع المفرط والعطش الشديد والجوع المزعج ومدافعة أحد الأخبثين وشدة النعاس والهم والغم والحزن والفرح، فهذه كلها تمنع الحاكم لأنها تمنع حضور القلب واستيفاء الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب، فهي بمعنى الغضب المنصوص عليه فتجري مجراه.