وهذا مذهب الحنفيّة، والشَّافعيَّة، واختاره ابن حزم.
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ العِبرة بزوال الوصف الذي أدَّى إلى كراهتها وهو النَّجاسة، وهو شيءٌ محسوس؛ فإذا زالت النَّجاسة، زال حُكمها.
ثانيًا: أنَّه لا يتقدَّر بالزَّمان لاختلاف الحيوانات في ذلك؛ فيُصار فيه إلى اعتبار زوال المضرّ.
قال السرخسي من الحنفية: الأصح أنها تحبس إلى أن تزول الرائحة المنتنة، لأن الحرمة لذلك، وهو شيء محسوس، ولا يتقدر بالزمان لاختلاف الحيوانات في ذلك، فيصار فيه إلى اعتبار زوال المضر، فإذا زال بالعلف الطاهر حل تناوله والعمل عليه بعد ذلك.
وقال النووي: وَلَيْسَ لِلْقَدْرِ الَّذِي تُعْلفُهُ مِنْ حَدٍّ، وَلَا لِزَمَانِهِ مِنْ ضَبْطٍ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يُعْلَمُ فِي الْعَادَةِ أَوْ يُظَنُّ أَنَّ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ تَزُولُ بِه، وَلَوْ لَمْ تُعْلَفْ لَمْ يَزُلْ الْمَنْعُ بِغَسْلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَلَا بِالطَّبْخِ وَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ بِه. (المجموع).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَإِذَا حُبِسَتْ حَتَّى تَطِيبَ كَانَتْ حَلَالًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي لَبَنِهَا وَبَيْضِهَا وَعَرَقِهَا، فَيَظْهَرُ نَتْنُ النَّجَاسَةِ وَخُبْثُهَا، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ طَاهِرَةً، فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِعِلَّةِ زَالَ بِزَوَالِهَا.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ: زَوَالُ رَائِحَةِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ أَنْ تُعْلَفَ بِالشَّيْءِ الطَّاهِرِ عَلَى الصَّحِيح.
- ما الحكمة في النهي عن أكل لحم الجلالة؟
الحكمة – والله أعلم – ترفع الإسلام بأهله عن تناول الخبائث ولو من طريق غير مباشر، لما لذلك من تأثير سيء على صحة الإنسان وسلوكه، لأن المتغذي يشبه ما تغذى به فينتقل الخبث من المأكول إلى الآكل ويكتسب من أخلاقه. [أحكام الأطعمة للشيخ صالح الفوزان حفظه الله].
- لماذا نهي عن ألبانها وعن ركوبها؟
قال الإمام إبراهيم الحربي: وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ أَلْبَانِهَا، لِأَنَّ آكِلَهُ يَجِدُ فِيهِ طَعْمَ مَا أَكَلَتْ، وَكَذَلِكَ فِي لُحُومِهَا، وَنُهِيَ عَنْ رُكُوبِهَا، لِأَنَّهَا تَعْرَقُ، فَتُوجَدُ رَائِحَتُهُ فِي عَرَقِهَا، وَرَاكِبُهَا لَا يَخْلُو أَنْ يُصِيبَهُ ذَلِكَ، أَوْ يَجِدَ رَائِحَتَهُ، فَإِنْ تَحَفَّظَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ رُكُوبُهَا، وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُ أَلْبَانِهَا، وَلَا أَكْلُ لُحُومِهَا إِلَّا أَنْ يَصْنَعَ بِهَا مَا يُزِيلُهَا. (غريب الحديث).
- ما الحكم إذا كان يتغذى بالنجاسة قليلاً وأكثر طعامه من الطيبات؟
هذا لا يشمله حكم الجلالة.
قال الخطابي رحمه الله: فأما إذا رعت الكلأ، واعتلفت الحَبَّ، وكانت تنال مع ذلك شيئاً من الجِلَّة، فليست بجلالة، وإنما هي كالدجاج ونحوها من الحيوان الذي ربما نال الشيء منها، وغالب غذائه وعلفه من غيرها: فلا يكره أكله.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فإذا كانت تأكل الطيب والقبيح، وأكثر علفها الطيب، فإنها ليست جلالة، بل هي مباحة، ومن هذا ما يفعله بعض أرباب الدواجن يعطونها من الدم المسفوح من أجل تقويتها أو تنميتها فلا تحرم بهذا ولا تكره؛ لأنه إذا كان الأكثر هو الطيب، فالحكم للأكثر. (شرح رياض الصالحين).