مسألة مهمة: جودة أحد الجنسين لا تبرر زيادة أحدهما على الآخر.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا». فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: فَلَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا) متفق عليه.
(الجنيب) التمر الطيب، (الجمْع) الرديء.
قال الشوكاني: والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع رديء الجنس بجيده متفاضلاً، وهذا أمر مجمع عليه.
٢ - أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إلى الطريقة السليمة البعيدة عن الربا، التي يسلكها من أراد أن يستبدل التمر الجيد بالتمر الرديء، وذلك بأن يبيع التمر الرديء بدراهم ويشتري بالدراهم تمراً جيداً، وهذه الطريقة تتبع في كل ربوي يراد استبداله بربوي أحسن منه، لأن الجودة في أحد الجنسين لا تبرر الزيادة إذا بيع أحدهما بالآخر.
• هل يجري الربا في غير هذه الأصناف الستة مما هو مثلها أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن تحريم الربا محصور في هذه الأشياء الستة لا يتجاوزها إلى غيرها.
يروى هذا القول عن قتادة وهو قول أهل الظاهر وقال به أيضاً طاوس، وعثمان البتي، وأبو سليمان.
وممن اختار هذا القول الإمام الصنعاني حيث يقول في سبل السلام: ولكن لما لم يجدوا - أي الجمهور - علة منصوصة اختلفوا فيها اختلافاً كثيراً يقوي للناظر العارف أن الحق ما ذهبت إليه الظاهرية من أنه لا يجري الربا إلا في الستة المنصوص عليها، وقد أفردنا الكلام على ذلك في رسالة مستقلة سميتها: (القول المجتبى).
واختاره من الحنابلة ابن عقيل في آخر مصنفاته مع قوله بالقياس، قال: لأن علل القياسيين في مسألة الربا علل ضعيفة، وإذا لم تظهر فيه علة امتنع القياس.
القول الثاني: أنه يلحق بها ما شاركها في العلة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-واستدلوا بحديث معمر بن عبدالله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول (الطعام بالطعام مثلاً بمثل … ) ولفظ (الطعام) أعم من الأصناف الأربعة المذكورة في حديث عبادة.
ب-واستدلوا أيضاً بالمعنى، وذلك أن ما وافقها في العلة يجب أن يأخذ حكمها، مراعاة لمقصود الشارع في التحريم، فما دام أن العلة واضحة وموجودة في غير هذه الأصناف فليحكم بالإلحاق، لأن الشرع لا يفرق بين متماثلين، كما لا يجمع بين مختلفين، قالوا: وقد اقتصر الحديث على الأصناف الستة من باب الاكتفاء بالأشياء التي لا يستغني عنها الناس عادة.
وهذا القول هو الراجح.