للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَال الْمِرْدَاوِيُّ فِي الإْنْصَافِ، وَقَال الْخَلاَّل: الْعَمَل فِي قَوْل أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلإْمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي ذَلِكَ وَيُنْقِصَ عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْحَابُهُ عَنْهُ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، فَاسْتَقَرَّ قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَهَذَا قَوْل الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ.

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فَلَفْظُ الْجِزْيَةِ فِي الآْيَةِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى عَلَى إِطْلَاقِهِ، غَيْرَ أَنَّ الإْمَامَ لَمَّا كَانَ وَلِيَّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَهْل الذِّمَّةِ عَقْدًا عَلَى الْجِزْيَةِ بِمَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ؛ لأِنَّ تَصَرُّفَ الإْمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ.

وَلأِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا وَصَالَحَ أَهْل نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالْبَاقِي فِي رَجَبٍ.

وَجَعَل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَصَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى ضِعْفِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزَّكَاةِ.

فَهَذَا الاِخْتِلَافُ يَدُل عَلَى أَنَّهَا إِلَى رَأْيِ الإِمَامِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْتَلِفَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْل الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْل الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَال: جُعِل ذَلِكَ مِنْ أَجَل الْيَسَارِ.

وَلأِنَّ الْمَال الْمَأْخُوذَ عَلَى الأْمَانِ ضَرْبَانِ: هُدْنَةٌ وَجِزْيَةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْمَأْخُوذُ هُدْنَةً إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَكَذَلِكَ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةً.

• متى وقت وجوب أداء الجزية؟

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الأْدَاءِ آخِرُ الْحَوْل.

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا وَقَعَ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْجِزْيَةِ، فَقَدْ ضَرَبَهَا عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ وَالْمَجُوسِ بَعْدَ نُزُول آيَةِ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يُطَالِبْهُمْ بِأَدَائِهَا فِي الْحَال، بَلْ كَانَ يَبْعَثُ رُسُلَهُ وَسُعَاتَهُ فِي آخِرِ الْحَوْل لِجِبَايَتِهَا.

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الأْنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ صَالَحَ أَهْل الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ.

وَتَدُل سِيرَةُ الْخُلَفَاءِ وَالأْمَرَاءِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَثُونَ الْجُبَاةَ فِي آخِرِ الْعَامِ لِجباية الْجِزْيَةِ. فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَبَا هُرَيْرَةَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بِمَالٍ كَثِيرٍ.

وَلأِنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْل، فَوَجَبَ بِآخِرِهِ كَالزَّكَاةِ.

وَلأِنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ جَزَاءً عَلَى تَأْمِينِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَحَقَّقَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي طُول السَّنَةِ.

وَلأِنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْخَذَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. (الموسوعة الفقهية).

• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟

- مشروعية بعث السعاة والدعاة.

- فضل معاذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>