قَالَ الْمُهَلَّب: النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل وَاجِبَة بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا الشَّارِع صَدَقَة خَشْيَة أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ قِيَامهمْ بِالْوَاجِبِ لَا أَجْر لَهُمْ فِيهِ، وَقَدْ عَرَفُوا مَا فِي الصَّدَقَة مِنْ الْأَجْر فَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا لَهُمْ صَدَقَة، حَتَّى لَا يُخْرِجُوهَا إِلَى غَيْر الْأَهْل إِلَّا بَعْد أَنْ يَكْفُوهُمْ; تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي تَقْدِيم الصَّدَقَة الْوَاجِبَة قَبْل صَدَقَة التَّطَوُّع ". نقله عنه في " فتح الباري" (٩/ ٦٢٣)
قال الْخَطَّابِيُّ: " هَذَا التَّرْتِيب إِذَا تَأَمَّلْته عَلِمْت أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَدَّمَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرب.
وقال النووي: إذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم، نظرَ: إن وفَّى ماله أو كسبه بنفقتهم فعليه نفقة الجميع قريبهم وبعيدهم، وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد، قدَّم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب … لأن نفقتها آكد، فإنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالإعسار.
وقال المرداوي: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا بِالْمَعْرُوفِ … إذَا فَضَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ.
والشوكاني: وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فعلى ذوي قرابته.
فلم يختلف العلماء في تقديم الزوجة على الوالدين في النفقة، وإنما اختلفوا في الزوجة والولد أيهما يقدم؟
قال الشيخ ابن عثيمين: فالصواب أنه يبدأ بنفسه، ثم بالزوجة، ثم بالولد، ثم بالوالدين، ثم بقية الأقارب.
• من المعتبر في النفقة الزوج أو الزوجة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أن المعتبر الزوجة.
وهو قول مالك وأبي حنيفة.
لقوله -صلى الله عليه وسلم- لهند (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
وعلى هذا القول: فإذا كانت فقيرة، فليس لها إلا نفقة فقيرة ولو كان زوجها من أغنياء العالم.
القول الثاني: أن المعتبر حال الزوج.
وهذا مذهب الشافعي.
لقوله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا).
فالآية نص صريح في اعتبار النفقة بحال الزوج، فيجب العمل به.
وعلى هذا القول: فإذا كان فقيراً فليس لها إلا نفقة فقير، وإذا كان غنياً ألزم بنفقة غني ولو كانت الزوجة فقيرة.
القول الثالث: أن المعتبر حال الزوجين معاً.
وهذا المذهب.
والراجح أن المعتبر حال الزوج.