القول الثاني: لا يجوز الجمع والقصر لهم.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
قالوا: إن خروج أهل مكة إلى منى وعرفة ومزدلفة لا يعد سفراً لعدم المسافة، وهم في اعتبار المسافة كغيرهم، فلم يجز لهم الجمع والقصر.
والراجح: الأحوط عدم الجمع والقصر.
• ما الحكمة من هذا الجمع؟
الحكمة من جمع التقديم هنا: ليتفرغ الناس للدعاء، وأيضاً لو تفرقوا لفاتت الجماعة، وصلى كل إنسان لوحده.
• أن الخطبة يوم عرفة قبل الأذان، لقوله: (ثم أذن ثم أقام).
• أنه لا تشرع للمسافر أن يصلي راتبة الظهر، لقوله: (ولم يصلّ بينهما).
• أنه لا تشرع الجمعة للمسافر.
• ماذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك؟
ذهب حتى أتى الموقف، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس.
لقول جابر (ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى اَلْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ اَلْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ اَلْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ اَلْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفَاً حَتَّى غَرُبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ القُرْصُ.
[فلم يزل واقفاً] المراد بالوقوف هنا المكث، لا الوقوف على القدمين
أي: ثم ركب من مكان خطبته وصلاته حتى أتى الموقف، وهو عند الجبل المعروف في شمال عرفة، وتسميه العامة جبل الرحمة.
• ما الدليل على أن عرفة كلها موقف؟
الدليل قوله -صلى الله عليه وسلم- (وقفت ههنا وعرفة كلها موقف) لكن يجب على الواقف أن يتأكد من حدودها، وهي علامات يجدها من يطلبها، لأنها واضحة، ومن وقف خارجها لم يصح حجه لأن الحج عرفة.
• ما حكم صعود جبل عرفة (جبل الرحمة)؟
لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكاً، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (خذوا عني مناسككم)، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكاً لهم؛ اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والذي ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة) ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي نفلاً بموقف عرفات، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعاً وقصراً، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات، بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً وتكبيراً وتلبية، وبدعاء ربه والضراعة إليه، حتى غربت الشمس. فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه من صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال. فتاوى اللجنة الدائمة" (١١/ ٢٠٦ - ٢٠٨)