قال النووي: قَوْله -صلى الله عليه وسلم- (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ) لَيْسَ هُوَ حَلِفًا إِنَّمَا هُوَ كَلِمَة جَرَتْ عَادَة الْعَرَب أَنْ تُدْخِلَهَا فِي كَلَامهَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهَا حَقِيقَةَ الْحَلِفِ. وَالنَّهْي إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ قَصَدَ حَقِيقَة الْحَلِف لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَام الْمَحْلُوفِ بِهِ وَمُضَاهَاتِهِ بِهِ اللَّهَ سُبْحَانه وَتَعَالَى. فَهَذَا هُوَ الْجَوَاب الْمَرْضِيُّ. وَقِيلَ: يُحْتَمَل أَنْ يَكُون هَذَا قَبْل النَّهْي عَنْ الْحَلِف بِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وهذا الجواب: جنح إليه البغوي، والمازري، وقال عنه النووي: إنه الجواب المرضي، وقواه ابن حجر.
وقيل: أن ذلك كان جائزاً ثم نسخ.
قال في الفتح: قاله الماوردي وحكاه البيهقي، وقال السبكي أكثر الشراح عليه حتى قال ابن العربي: وروى أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك.
وقيل: إن في الجواب حذفاً تقديره: أفلح ورب أبيه، ذكره البيهقي.
وقيل: إن ذلك خاص بالشارع دون غيره من أمته وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال. (الفتح).
• ما الجواب عن القسم بغير الله الوارد في القرآن؟
قال في (الفتح) وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير اللَّه، ففيه جوابان:
أحدهما: أن فيه حذفاً، والتقدير ورب الشمس، ونحوه.
والثاني: أن ذلك يختصّ باللَّه تعالى، فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك.
• ما حكم الإكثار من الحلف؟
مكروه.
لأن كثرة الحلف يدل على الاستخفاف وعدم التعظيم لله، وغير ذلك مما ينافي التوحيد الواجب أو كماله. ويستدل لذلك:
أ- بقوله تعالى (ولا تطع كل حلاف مهين).
قال الطبري: ولا تطع يا محمد كل ذي إكثار للحلف بالباطل.
وقال القرطبي: الحلاف: كثير الحلف.
ب- قوله تعالى (واحفظوا أيمانكم).
فقد ورد في تفسير هذه الآية جملة أقوال أحدها: أن المراد بحفظ اليمين هو عدم الإكثار منها.
ج - قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم).
فقد ورد في تفسيرها عدة أوجه، من هذه الأوجه ما يفيد أن المقصود منها عدم الإكثار من الحلف.
قال ابن الجوزي: … وفي معنى الآية ثلاثة أقوال، الثالث: أن معناها لا تكثروا الحلف بالله وإن كنتم بارين مصلحين، فإن كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه.