وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَهُمْ بِقِتَالٍ وَلَا غَارَةٍ قَبْلَ إعْلَامِهِمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ؛ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ آمِنُونَ مِنْهُ بِحُكْمِ الْعَهْدِ، فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، وَلَا أَخْذُ مَالِهِمْ. (المغني).
وقال القرطبي: والمعنى: وإما تخافن من قوم بينك وبينهم عهد خيانة فانبذ إليهم العهد، أي: قل لهم قد نبذت إليكم عهدكم، وأنا مقاتلكم، ليعلموا ذلك فيكونوا معك في العلم سواء، ولا تقاتلهم وبينك وبينهم عهد وهم يثقون بك، فيكون ذلك خيانة وغدرا. ثم بين هذا بقوله (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ).
ويقول ابن كثير بصدد ذكر الخيانة هنا (أي: حتى ولو في حق الكفار لا يحبها أيضاً).
• ما حكم الوفاء بهذه المعاهدات؟
واجب.
قال ابن قدامة: إِذَا عَقَدَ الْهُدْنَةَ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهَا.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
وَقَالَ تَعَالَى (فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ).
وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفِ بِهَا، لَمْ يُسْكَنْ إلَى عَقْدِهِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى عَقْدِهَا.
• متى ينتهي وجوب الالتزام بالهدنة؟
أولاً: حين تنتهي مدة المعاهدة مع العدو.
قال تعالى (فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ) إذ المفهوم من هذا النص أنه بعد انتهاء مدة العهد أو المعاهدة تعود حالة الحرب بين المسلمين وأعدائهم.
ثانياً: إذا نقض العدو المعاهدة.
قال ابن قدامة: فَإِنْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، جَازَ قِتَالُهُمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ).
وَقَالَ تَعَالَى (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
وَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ عَهْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، خَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ، وَفَتَحَ مَكَّةَ.
ثالثاً: إذا ظاهروا أحداً على المسلمين.
كما قال تعالى (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا … ).