٦٨٢ - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اِسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
===
(كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ) أي: صوم النفل متتابعاً.
(فِي شَعْبَانَ) سمي شعبان لتشعبهم في طلب المياه، أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وهذا أولى من الذي قبله.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: استحباب الإكثار من الصيام في شعبان.
• ما معنى حديث أم سلمة عند أبي داود (أنه كان لا يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان)؟
اختلف العلماء في معنى ذلك على أقوال:
قيل: أي أنه كان يصوم معظمه، فالمراد بالكل أكثره.
ويدل ذلك حديث الباب (وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ).
وجاء عند مسلم (كان يصوم شعبان إلا قليلاً).
قال الحافظ: وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود: (أنه كان لا يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان) أي كان يصوم معظمه، فالمراد بالكل الأكثر.
وقيل: يحتمل أنه كان يصوم شعبان كله تارة، ويصوم معظمه أخرى، لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان.
وقيل: المراد بقولها (كله) أنه كان يصوم من أوله تارة، ومن آخره أخرى، ومن أثنائه طوراً، فلا يخلي شيئاً منه من صيام، ولا يخص بعضه بصيام دون بعض.
وقيل: قال ابن المنير: إما يحمل قول عائشة على المبالغة والمراد الأكثر، وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول، فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانياً عن آخر أمره أنه كان يصومه كله.
قال الحافظ: ولا يخفى تكلفه، والأول هو الصواب، ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم ولفظه (ولا صام شهراً كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان).
• ما الحكمة من إكثاره -صلى الله عليه وسلم- من صوم شعبان؟
اختلف العلماء في ذلك:
فقيل: كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره، فتجتمع فيقضيها في شعبان.
وهذا فيه حديث ضعيف أخرجه الطبراني في الأوسط.
وقيل: كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان.
وهذا فيه حديث آخر أخرجه الترمذي من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال (سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان) قال الترمذي: حديث غريب، وصدقة عندهم ليس بذاك القوي.
والأولى في ذلك: ما جاء في حديث أصح مما مضى أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال: (قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).