للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩١٧ - وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ; أَنَّ اَلصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.

===

• ما معنى الحمى؟

قال ابن قدامة: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَحْمِيَ أَرْضًا مِنْ الْمَوَاتِ، يَمْنَعُ النَّاسَ رَعْيَ مَا فِيهَا مِنْ الْكَلَأِ، لِيَخْتَصّ بِهَا دُونَهُمْ.

• ما معنى (لا حمى إلا لله ولرسوله)؟

الصحيح أن معناه: لا حمى إلا على مثل ما حماه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس المعنى أنه لا أحد يحمي بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بدليل أن عمر حمى بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذا عثمان.

قال ابن قدامة: وَكَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَعْرِفُ ذَلِكَ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ إذَا انْتَجَعَ بَلَدًا أَوْفَى بِكَلْبٍ عَلَى نَشَزَ، ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ.

وَوَقَفَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ بِالْعُوَاءِ، فَحَيْثُمَا انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِنَفْسِهِ، وَيَرْعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ.

فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ، وَمَنْعِهِمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ.

وَرَوَى الصَّعْبُ بْن جَثَّامَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ).

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ (النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالنَّارِ، وَالْكَلَأِ) رَوَاهُ الْخَلَّالُ.

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ سِوَى الْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمِيَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى.

فَأَمَّا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ (لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ).

لَكِنَّهُ لَمْ يَحْمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ (حَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ) رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.

وَالنَّقِيعُ، بِالنُّونِ: مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبُ، لِمَكَانِ مَا يَصِيرُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَأَمَّا سَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْلُ الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ، وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ وَضَوَالُّ النَّاسِ الَّتِي يَقُومُ الْإِمَامُ بِحِفْظِهَا، وَمَاشِيَةُ الضَّعِيفِ مِنْ النَّاسِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ النَّاسِ.

وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي صَحِيحِ قَوْلَيْهِ.

وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَيْسَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَحْمِيَ؛ لِقَوْلِهِ (لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ).

وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حَمَيَا، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ إجْمَاعًا. (المغني).

وقال في النهاية في معنى الحديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عما كانت تفعله الجاهلية، وأضاف الحمى لله ولرسوله أي: إلا ما يحمي للخيل التي ترصد للجهاد والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله.

وقال ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب لما ذكر الحديث: تأوله الجمهور على معنى أنه لا ينبغي أن يحمى إلا كما حماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخيل المجاهدين وشبه ذلك مثل ما فعله الخلفاء بعده حموا لإبل الغزاة.

وقال السيوطي في حاشية البخاري قوله (لا حمى إلا لله ولرسوله) قال الشافعي يحتمل معنيين:

أحدهما: لا حمى إلا ما حماه -صلى الله عليه وسلم-.

والثاني: لا حمى إلا مثل ما حماه، فعلى الأول ليس لأحد من الولاة أن يحمي بعده وعلى الثاني يختص بمن قام مقامه فهو الخليفة دون سائر نوابه.

وقال البيهقي: وفيه وفيما قبله دلالة على أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا حمى إلا لله ورسوله) أراد به أن لا حمى إلا على مثل ما حمى عليه رسوله في صلاح المسلمين والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>