٨٧٨ - وَعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ (تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا، فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: اَلدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أُحِقَّ اَلْغَرِيمُ وَبَرِئَ مِنْهُمَا اَلْمَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.
٨٧٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ اَلْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ اَلدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ " فَلَمَّا فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْهِ اَلْفُتُوحَ قَال: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً).
===
(فقال أَبُو قَتَادَةَ: اَلدِّينَارَانِ عَلَيَّ) أي صلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على ذلك الرجل، لَمّا تكفل أبو قتادة - رضي اللَّه عنه -
(كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ اَلْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ اَلدَّيْن) وفي رواية (كان إذا تُوفيَ المؤمن).
(هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟) أي: هل ترك مالا يُقضى به دينه؟ وفي رواية للبخاريّ (هل ترك لدينه فضلاً؟) أي: قدرًا زائدًا على مؤنة تجهيزه. قال في "الفتح": والأول أولى، بدليل قوله: "فإن حُدّث أنه ترك لدينه وفاء ....
(فَلَمَّا فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْهِ اَلْفُتُوحَ قَال: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي أنا أقرب لهم من أنفسهم، أو أنا أحقّ بهم منها، وقد وَجَّهَ ذَلك بقوله (فمن توفي … ).
(فَمَنْ تُوُفِّيَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ) وفي رواية (وَمَنْ تَرَكَ مَالاً، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ) وفي رواية للبخاريّ (فليرثه عصبته).
ولمسلم من طريق الأعرج، عن أبي هريرة (والذي نفسي بيده إنْ على الأرض من مؤمن، إلا وأنا أولى الناس به، فأيكم ما ترك ديناً، أو ضَيَاعًا، فانا مولاه، وأيكم ترك مالاً، فإلى العصبة من كان).
ومن طريق همام بن منبّه، عن أبي هريرة -صلى الله عليه وسلم- (أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- فأيكم ما ترك دينًا، أو ضَيعةً، فادعوني، فأنا وليّه، وأيكم ما ترك مالاً، فليُؤثَر بماله عصبتُهُ من كان) وفي رواية (ومن ترك كَلًّا وَلِيتُه).
قال النوويّ (والضَّيَاع) و (الضَّيعة) بفتح الضاد: المراد بهم العيال المحتاجون الضائعون. قال الخطّابيّ: الضياع، والضيعة هنا وصف لورثة الميت بالمصدر، أي ترك أولادًا، أو عيالاً ذَوِي ضَيَاع، أي لا شيء لهم، والضَّيَاع في الأصل مصدر ضاع، ثم جُعل اسمًا لكلّ ما يُعَرَّض للضَّيَاع، وأما (الْكَلّ) فبفتح الكاف، قال الخطّابيّ، وغيره: المراد به ههنا العيال، وأصله الثِّقَلُ، ومعنى (أنا مولاه) أي: وليّه، وناصره.
• هل ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة على المديون استمر أم لا، ولماذا ترك الصلاة عليه في أول الأمر؟
لا، لم يستمر، بل نسخ لما فتح عليه الفتوح.
وكان امتناع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر:
ردعاً لأصحاب الديون للمبادرة بقضاء الدين وحفظاً لحق الدائن حتى لا يضيع حقه.
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: امتناعه من الصلاة على من مات، وعلي دين، ولم يتركَ وفاءً، إشعار بصعوبة أمر الدين، وأنه لا ينبغي أن يتحمّله الإنسان، إلا من ضرورة، وأنه إذا أخذه فلا ينبغي أن يَتراخَى في أدائه إذا تمكّن منه، وذلك لأن الدين شَين، وأنه هَمٌّ بالليل، ومَذلّة بالنهار، وإخافة للنفوس، بل وإرقاق لها.